للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة كتب ملكا» «١» .

وهذه النعمة- أى: نعمة الحرية بعد الذل، والسعة بعد الضيق- من النعم العظمى التي لا يقدرها ويحافظ عليها إلا أصحاب النفوس الكبيرة، التي تعاف الظلم، وتأبى الضيم، وتحسن الشكر لله- تعالى-.

قال صاحب الانتصاف: فإن قلت: فلماذا لم يقل إذ جعلكم أنبياء، كما قال: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً؟ قلت. لأن النبوة مزية غير الملك. وآحاد الناس يشارك الملك في كثير مما به صار الملك ملكا، ولا كذلك النبوة، فإن درجتها أرفع من أن يشرك من لم تثبت له مع الثابتة نبوته في مزيتها وخصوصيتها ونعتها، فهذا هو سر تمييز الأنبياء وتعميم الملوك» «٢» .

وأما النعمة الثالثة: فهي أنه- سبحانه-: آتاهم من ألوان الإكرام والمنن ما لم يؤت أحدا من عالمي زمانهم. فقد فلق لهم البحر فساروا في طريق يابس حتى نجوا وغرق عدوهم. وأنزل عليهم المن والسلوى ليأكلوا من الطيبات، وفجر لهم من الحجر اثنتي عشرة عينا حتى يعلم كل أناس مشربهم.. إلى غير ذلك من ألوان النعم التي حباهم الله- تعالى- بها، والتي كانت تستلزم منهم المبادرة إلى امتثال أوامره، واجتناب نواهيه.

قال الآلوسى: و «أل» في الْعالَمِينَ للعهد: والمراد عالمو زمانهم. أو للاستغراق.

والتفضيل من وجه لا يستلزم التفضيل من جميع الوجوه، فإنه قد يكون للمفضول ما ليس للفاضل: وعلى التقديرين لا يلزم تفضيلهم على هذه الأمة المحمدية، لأن الخطابات السابقة واللاحقة لبنى إسرائيل، فوجود خطاب في الأثناء لغيرهم مما يخل بالنظم الكريم» «٣» .

وبعد هذا التذكير بالنعم، وجه إليهم نداء ثانيا طلب منهم فيه دخول الأرض المقدسة فقال- كما حكى القرآن عنه: يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ.

ومعنى المقدسة: المطهرة المباركة بسبب أنها كانت موطنا لكثير من الأنبياء.

والمراد بها. بيت المقدس وقيل المراد بها: اريحاء وقيل: الطور وما حوله.

قال ابن جرير: وهي لا تخرج عن أن تكون من الأرض التي ما بين الفرات وعريش مصر، لإجماع أهل التأويل والسير والعلماء بالأخبار على ذلك» .


(١) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ١٠٥.
(٢) حاشية الكشاف ج ١ ص ٦١٩
(٣) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ١٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>