للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن في هذا الإفهام تحريضا لهم على حمده وعبادته بقلوب مطمئنة، ونفوس مبتهجة، ودعوة لهم إلى أن يقيموا حياتهم على الرحمة والإحسان، لا على الجبروت والطغيان، فالراحمون يرحمهم الرحمن.

مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ بعد أن بين- سبحانه- لعباده موجبات حمده، وأنه الجدير وحده بالحمد، لأنه المربى الرحيم، والمنعم الكريم، أتبع ذلك ببيان أنه- سبحانه- مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.

والمالك وصف من الملك- بكسر الميم- بمعنى حيازة الشيء مع القدرة على التصرف فيه.

واليوم في العرف: ما يكون من طلوع الشمس إلى غروبها، وليس هذا مرادا هنا، وإنما المراد مطلق الزمن وهو يوم القيامة.

والدين: الجزاء والحساب، يقال: دنته بما صنع، أى: جازيته على صنيعه، ومنه قولهم.

كما تدين تدان. أى: كما تفعل تجازى، وفي الحديث (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) أى: حاسب نفسه: والمعنى: أنه- تعالى- يتصرف في أمور يوم الدين من حساب وثواب وعقاب، تصرف المالك فيما يملك، كما قال- تعالى- يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ.

وهناك قراءة أخرى للآية وهي ملك يوم الدين من الملك- بضم الميم- وعليها يكون المعنى: أنه- تعالى- هو المدبر لأمور يوم الدين، وأن له على ذلك اليوم هيمنة الملوك وسيطرتهم، فكل شيء في ذلك اليوم يجرى بأمره، وكل تصرف فيه ينفذ باسمه، كما قال- تعالى- لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.

قال الإمام ابن كثير: «وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين، وذلك عام في الدنيا والآخرة. وإنما أضيف إلى يوم الدين، لأنه لا يدعى أحد هنالك شيئا، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه، كما قال- تعالى- يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا. لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً.

والملك في الحقيقة هو الله، قال- تعالى- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ وفي الصحيحين عن أبى هريرة، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يقبض الله الأرض، ويطوى السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون، أين المتكبرون» ثم قال: وأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال- تعالى- إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً «١» .


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>