للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أكد- سبحانه- جملة قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ تنزيلا لهم منزلة المنكرين لتعنتهم في السؤال ومحاولتهم التنصل مما أمروا به.

ولم يقل القرآن الكريم من أول الأمر: إنها بقرة عوان بل جاء بالوصفين السابقين لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ للتعريض بغباوتهم، والتلميح بعدم فهمهم للأساليب الموجزة، لذا لجأ في جوابهم إلى تنكير التوصيف حتى لا يعودوا إلى تكرار الأسئلة.

وقوله تعالى: فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ يقصد به قطع العذر مع الحض على الطاعة والامتثال.

وما موصولة، والعائد محذوف بعد حذف جاره، على طريقة التوسع، أى: إذا كان الأمر كذلك، فبادروا إلى تنفيذ ما تؤمرون به، لتصلوا إلى معرفة القاتل الحقيقي بأيسر طريق، ولا تضيقوا على أنفسكم ما وسعه الله لكم، ولا تكثروا من المراجعة، فإنها ليست في مصلحتكم.

ومع ذلك فقد أبوا إلا تنطعا، واستقصاء في السؤال، فأخذوا يسألون عن لونها بعد أن عرفوا سنها، فقالوا كما حكى القرآن عنهم:

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها. قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ.

والمعنى: قال بنو إسرائيل لنبيهم، مشددين على أنفسهم بعد أن عرفوا صفة البقرة من جهة سنها: سل لنا ربك يبين لنا ما لونها، لكي يسهل علينا الحصول عليها، فأجابهم بقوله: إنه- تعالى- يقول إن البقرة التي أمرتكم بذبحها صفراء فاقع لونها، تعجب في هيئتها ومنظرها وحسن شكلها الناظرين إليها ...

قال ابن جرير: «والفقوع في الصفرة نظير النصوع في البياض، وهو شدته وصفاؤه» «١» .

وقال صاحب الكشاف: «الفقوع أشد ما يكون مع الصفرة، وأنصعه يقال في التوكيد أصفر فاقع ووارس، كما يقال: أسود حالك،.. ثم قال فإن قلت: فهلا قيل: صفراء فاقعة، وأى فائدة في ذكر اللون؟ قلت: الفائدة فيه التوكيد، لأن اللون اسم للهيئة وهي الصفرة، فكأنه قيل: شديد صفرتها فهو من قولك: جد جده» «٢» .

وإلى هنا يكونون قد عرفوا وصف البقرة من حيث سنها ووصفها من حيث لونها، فهل أغنتهم هذه الأوصاف؟، كلا! ما أغنتهم. فقد أخذوا يسألون للمرة الثالثة عما هم في غنى عنه فقالوا كما حكى القرآن عنهم:


(١) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٣٣٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ٢١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>