ومعنى الآيتين الكريمتين: قال بنو إسرائيل لموسى بعد أن عرفوا سن البقرة ولونها: سل من أجلنا ربك أن يزيدنا إيضاحا لحال البقرة التي أمرنا بذبحها. حيث إن البقر الموصوف بالوصفين السابقين كثير، فاشتبه علينا أيها نذبح، وإنا إن شاء الله بعد هذا البيان منك لمهتدون إليها، ومنفذون لما تكلفنا به، فأجابهم موسى بقوله:«إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث، مسلمة لا شية فيها» أى قال إنه- سبحانه- يقول: أنها بقرة سائمة ليست مذللة بالعمل في الحراثة ولا في السقي، وهي بعد ذلك سليمة من كل عيب، ليس فيها لون يخالف لونها الذي هو الصفرة الفاقعة، فلما وجدوا أن جميع مشخصاتها ومميزاتها قد اكتملت قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ الواضح، ولم يبق إشكال في أمرها، وبحثوا عنها، وحصلوها فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ لكثرة أسئلتهم وترددهم.
فقوله- تعالى-: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ حكاية لسؤالهم الثالث الذي وجهوه إلى نبيهم- عليه السلام- ليزدادوا معرفة بحال البقرة وصفتها من حيث نفاستها، بعد أن عرفوا سنها ولونها.
فكأنهم يقولون له: إن في أجوبتك السابقة عنها تقصيرا يشق معه تمييزها، فسل من أجلنا ربك ليزيدنا بيانا لحالها، وكأنما أحسوا بأنهم قد أثقلوا عليه وتجاوزوا الحدود المعقولة في الطلب، فعللوا ذلك بقولهم.
إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا أى: لا تتضايق من كثرة أسئلتنا، فإن لنا عذرنا في هذا التكرار.
لأن البقر الموصوف بالعوان وبالصفرة الفاقعة كثير، فاشتبه علينا أمر تلك البقرة التي تريدنا أن نذبحها.
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور:«وإنما لم يعتذروا في المرتين الأوليين واعتذروا في الثالثة، لأن للثلاثة في التكرير وقعا من النفس في التأكيد والسآمة وغير ذلك، ولذا كثر في أحوال البشر وشرائعهم التوقيت بالثلاثة»«١» .
وقولهم: وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ حض لنبيهم موسى- عليه السلام- على الدعاء، ووعد له بالطاعة والامتثال، ودفع للسآمة عن نفسه من كثرة أسئلتهم، وتبرير لمسلكهم في كثرة المراجعة حتى يتفادوا غضبه، فكأنهم يقولون له: