فقوله- تعالى-: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ بيان لشرف التوراة قبل أن تمتد إليها الأيدى الأثيمة بالتحريف والتبديل. ويدل على شرفها وعلو مقامها أن الله- تعالى- هو الذي أنزلها لا غيره، وأنه- سبحانه- جعلها مشتملة على الهدى والنور. والمراد بالهدى، ما اشتملت عليه من بيان للأحكام والتكاليف والشرائع التي تهدى الناس إلى طريق السعادة.
والمراد بالنور: ما اشتملت عليه من بيان للعقائد السليمة، والمواعظ الحكيمة، والأخلاق القويمة.
والمعنى إنا أنزلنا التوراة على نبينا موسى- عليه السلام- مشتملة على ما يهدى الناس إلى الحق من أحكام وتكاليف وعلى ما يضيء لهم حياتهم من عقائد ومواعظ وأخلاق فاضلة.
ثم بين- سبحانه- بعض الوظائف التي جعلها للتوراة فقال: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ.
والمراد بقوله: النَّبِيُّونَ من بعثهم الله في بنى إسرائيل من بعد موسى لإقامة التوراة.
وقوله: الذين أسلموا صفة للنبيين. أى: أسلموا وجوههم لله وأخلصوا له العبادة والطاعة.
وعن الحسن والزهري وقتادة: يحتمل أن يكون المراد بالنبيين الذين أسلموا محمدا صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه حكم على اليهوديين الذين زنيا بالرجم، وكان هذا حكم التوراة. وإنما ذكر بلفظ الجمع تعظيما له.
وقال ابن الأنبارى: هذا رد على اليهود والنصارى لأن بعضهم كانوا يقولون: الأنبياء كلهم يهود أو نصارى- فقال- تعالى- يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا يعنى أن الأنبياء ما كانوا موصوفين باليهودية أو النصرانية، بل كانوا مسلمين لله منقادين لتكاليفة» «١» .
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٦ ص ٣- طبعة عبد الرحمن محمد [.....]