للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بياض أو سواد أو غيرهما، بل هي صفراء كلها.

وأرادوا بالحق في قوله تعالى: قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ الوصف الواضح الذي لا اشتباه فيه ولا احتمال، فكأنهم يقولون له: الآن- فقط- جئتنا بحقيقة وصف البقرة، فقد ميزتها عن جميع ما عداها، من جهة اللون وكونها من السوائم لا العوامل، وبذلك لم يبق لنا في شأنها اشتباه أصلا.

والفاء في قوله تعالى: فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ قد عطفت ما بعدها على محذوف يدل عليه المقام، والتقدير فظفروا بها فذبحوها، أى: فذبح قوم موسى البقرة التي وصفها الله- تعالى- لهم، بعد ما قاربوا أن يتركوا ذبحها، ويدعوا ما أمروا به، لتشككهم في صحة ما يوجه إليهم من إرشادات ولكثرة مما طلتهم.

قال صاحب الكشاف: وقوله تعالى: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ استثقال لاستقصائهم، وأنهم لتطويلهم المفرط. وكثرة استكشافهم، ما كادوا يذبحونها وما كادت تنتهي سؤالاتهم، وما كاد ينقطع خيط إسهابهم فيها وتعمقهم، وقيل: ما كادوا يذبحونها لغلاء ثمنها، وقيل لخوف الفضيحة في ظهور القاتل» «١» .

ثم كشف الله- تعالى- بعد ذلك عن الغاية التي من أجلها أمروا بذبح البقرة فقال تعالى:

وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.

المعنى: واذكروا يا بنى إسرائيل إذ قتلتم نفسا، فاختلفتم وتنازعتم في قاتلها، ودفع كل واحد منكم التهمة عن نفسه، والله- عز وجل- مخرج لا محالة ما كتمتم من أمر القاتل، فقد بين- سبحانه- الحق في ذلك فقال على لسان رسوله موسى- عليه السلام- اضربوا القتيل بأى جزء من أجزاء البقرة، فضربتموه ببعضها فعادت إليه الحياة- بإذن الله- وأخبر عن قاتله، وبمثل هذا الإحياء لذلك القتيل بعد موته، يحيى الله الموتى للحساب والجزاء يوم القيامة، ويبين لكم الدلائل الدالة على أنه قدير على كل شيء رجاء أن تعقلوا الأمور على وجهها السليم.

وجمهور المفسرين على أن واقعة قتل النفس وتنازعهم فيها، حصلت قبل الأمر بذبح البقرة، إلا أن القرآن الكريم أخرها في الذكر ليعدد على بنى إسرائيل جناياتهم وليشوق النفوس إلى معرفة الحكمة من وراء الأمر بذبحها، فتتقبلها بشغف واهتمام.

قال صاحب الكشاف. فإن قلت فما للقصة لم تقص على ترتيبها، وكان حقها أن يقدم ذكر


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>