للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها، وأن يقال: وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها؟ قلت: كل ما قص من قصص بنى إسرائيل إنما قص تعديدا لما وجد منهم من الجنايات، وتقريعا لهم عليها، ولما جدد فيهم من الآيات العظام، وهاتان قصتان كل واحدة منهما مستقلة بنوع من التقريع وإن كانتا متصلتين متحدتين.

فالأولى: لتقريعهم على الاستهزاء وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك.

والثانية: للتقريع على قتل النفس المحرمة وما تبعه من الآية العظيمة، وإنما قدم قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل، لأنه لو عمل على عكسه لكانت القصة واحدة، ولذهب الغرض من تثنية التقريع، ولقد روعيت نكتة بعد ما استؤنفت الثانية استئناف قصة برأسها، أن وصلت بالأولى، دلالة على اتحادهما، بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله: اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها

حتى تبين أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع ونيته، بإخراج الثانية مخرج الاستئناف مع تأخيرها، وأنها قصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة» «١» .

وقد أسند القرآن الكريم القتل إلى جميعهم في قوله تعالى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ مع أن القاتل بعضهم، للإشعار بأن الأمة في مجموعها وتكافلها كالشخص الواحد.

وأسند القتل- أيضا- إلى اليهود المعاصرين للعهد النبوي، لأنهم من سلالات أولئك الذين حدث فيهم القتل، وكثيرا ما يستعمل القرآن الكريم هذا الأسلوب للتنبيه على أن الخلف قد سار على طريقة السلف في الانحراف والضلال.

وقوله تعالى: فَادَّارَأْتُمْ فِيها بيان لما حصل منهم بعد قتل النفس التي ذكرنا قصتها ومعنى ادارأتم فيها: اختلفتم وتخاصمتم في شأنها لأن المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضا أى يدفعه ويزحمه، أى تدافعتم بمعنى طرح قتلها بعضكم على بعض فدفع المطروح عليه الطارح، ليدفع الجناية عن نفسه ويتهم غيره.

وقوله تعالى: وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ معناه: والله- تعالى- مظهر ومعلن ما كنتم تسترونه من أمر القتيل الذي قتلتموه، ثم تنازعتم في شأن قاتله، وذلك ليتبين القاتل الحقيقي بدون أن يظلم غيره.

وهذه الجملة الكريمة وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ معترضة بين قوله تعالى فَادَّارَأْتُمْ وبين قوله تعالى: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها

. وفائدته إشعار المخاطبين قبل أن يسمعوا ما أمروا بفعله، بأن القاتل الحقيقي سينكشف أمره لا محالة.


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>