للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال صاحب تفسير التحرير والتنوير: «وإنما تعلقت إرادة الله بكشف حال من قتل هذا القتيل- مع أنه، ليس أول قتيل طل دمه في الأمم- إكراما لموسى- عليه السلام- أن يضيع دم في قومه وهو بين أظهرهم، وبمرأى ومسمع منه، لا سيما وقد قصد القاتلون استغفاله ودبروا المكيدة في إظهار المطالبة بدمه، فلو لم يظهر الله- تعالى- هذا الدم ويبين سافكه- لضعف يقين القوم برسولهم موسى- عليه السلام- ولكان ذلك مما يزيد شكهم في صدقه فينقلبوا كافرين، فكان إظهار القاتل الحقيقي إكراما من الله تعالى- لموسى، ورحمة بالقوم لئلا يضلوا» «١» .

وقوله تعالى: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها

إرشاد لهم إلى الوسيلة التي عن طريقها سيهتدون إلى القاتل الحقيقي، والضمير في قوله اضْرِبُوهُ

يعود على النفس، وتذكيره مراعى فيه معناها هو الشخص أو القتيل.

وضرب القتيل ببعضها- أيا كان ذلك البعض- دليل على كمال قدرة الله تعالى. وفيه تيسير عليهم. واسم الإشارة في قوله تعالى: كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى

مشار به إلى محذوف دل عليه سياق الكلام.

والتقدير: فقلنا لقوم موسى الذين تنازعوا في شأن القتيل اضربوه ببعض البقرة ليحيا، فضربوه فأحياه الله، وأخبر القتيل عن قاتله، وكمثل إحيائه يحيى الله الموتى في الآخرة للثواب والعقاب.

وبذلك تكون الآية ظاهرة في أن الذي ضرب ببعض البقرة قد صار حيا بعد موته.

قال الإمام ابن جرير- رحمه الله-: فإن قيل: وما كان معنى الأمر بضرب القتيل ببعضها؟

قيل: ليحيا فينبئ نبي الله والذين ادارءوا فيه عن قاتله.

فإن قال: وأين الخبر عن أن الله- تعالى- أمرهم بذلك؟ قيل: ترك ذلك اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام الدال عليه، والمعنى: فقلنا اضربوه ببعضها ليحيا فضربوه فحيي، يدل على ذلك قوله تعالى: كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

«٢» .

والمقصود بالآيات في قوله تعالى: وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

الدلائل الدالة على أن الله على كل شيء قدير والتي منها ما شاهدوه بأعينهم من ترتب الحياة على ضرب القتيل بعضو ميت، وأخباره عن قاتله، واهتدائهم بسبب ذلك إلى القاتل الحقيقي. وذلك لكي تستعملوا عقولكم في الخير. وتوقنوا بأن من قدر على إحياء نفس، واحدة فهو قادر على إحياء الأنفس جميعا لأنه- سبحانه- لا يصعب عليه شيء.


(١) تفسير التحرير والتنوير ج ١ ص ٥٢٩.
(٢) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>