للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللومة: هي المرة الواحدة من اللوم. وهو بمعنى اعتراض المعترضين، ومخالفة المخالفين وعدم رضاهم عن هؤلاء القوم.

والمعنى: أن من صفات هؤلاء القوم- أيضا- أنهم يبذلون أقصى جهدهم في سبيل إعلاء كلمة الله والعمل على مرضاته، وأنهم في جهادهم وجهرهم بكلمة الحق، وحرصهم على ما يرضيه- سبحانه- لا يخافون لوما قط من أى لائم كائنا من كان. لأن خشيتهم ليست إلا من الله وحده.

وعبر- سبحانه- بلومة- بصيغة الإفراد والتنكير، للمبالغة في نفى الخوف عنهم سواء أصدر اللوم لهم من كبير أم من صغير. وسواء أكانت اللومة شديدة أم رفيقة..

فهم- كما يقول الزمخشري-: صلاب في دينهم، إذا شرعوا في أمر من أمور الدين لإنكار منكر أو أمر بمعروف- مضوا فيه كالمسامير المحماة، لا يرعبهم قول قائل، ولا اعتراض معترض، ولا لومة لائم، والجملة على هذا معطوفة على يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ويحتمل أن تكون الواو للحال. أى أنهم يجاهدون وحالهم في المجاهدة خلاف حال المنافقين الذين كانوا إذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود، فلا يعملون شيئا مما يعلمون أنه يلحقهم فيه لوم من جهتهم، وأما المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله لا يخافون لومة لائم» «١» .

وقد ذكر المفسرون أقوالا متعددة في المراد بهؤلاء القوم الذين وصفهم الله- تعالى- بتلك الصفات الكريمة، والذين يأتى بهم بدل أولئك الذين يرتدون على أعقابهم.

قال بعضهم: المراد بهم أبو بكر ومن معه من المؤمنين الذين قاتلوا المرتدين.

وقال آخرون: المراد بهم الأنصار الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم وأيدوه.

وقال مجاهد: المراد بهم أهل اليمن ... وقيل غير ذلك.

والذي نراه أنهم قوم ليسوا مخصوصين بزمن معين أو بلد معين، أو أشخاص معينين، وإنما هم كل من تنطبق عليهم هذه الصفات الجليلة. فكل من أحب الله وأحبه الله، وتواضع للمؤمنين وأغلظ على الكافرين. وجاهد في سبيل الله دون أن يخشى أحدا سواه فهو منهم، أما ذواتهم فيعلمها الله وحده، لأنه لم يرد نص صحيح يعتمد عليه في بيان المراد بهؤلاء القوم.

واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ يعود على ما تقدم ذكره من أوصاف القوم.


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>