للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيان لكيفية الكفارة والضمير في قوله: فكفارته يعود على الحنث الدال عليه سياق الكلام وإن لم يجر له ذكر.

أى: فكفارة الحنث. ولا مانع من عودته إلى الحالف إذا حنث في يمينه فيكون المعنى:

فكفارة الحالف إذا حنث في يمينه إطعام عشرة مساكين لأن الشخص الحانث في يمينه هو الذي يجب عليه التكفير عن حنثه.

والكفارة من الكفر بمعنى الستر، وهي اسم للفعلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة، أى تسترها وتمحوها، لأن الشيء الممحى يكون كالشىء المستور الذي لا يرى ولا يشاهد.

وكلمة أَوْسَطِ يرى بعضهم أنها بمعنى الأمثل والأحسن، لأن لفظ الأوسط كثيرا ما يستعمل بهذا المعنى ومنه قوله- تعالى قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ «١» أى:

قال أحسنهم عقلا وأمثلهم فكرا ونظرا.

ويرى آخرون أن الأوسط هنا بمعنى المتوسط لأن هذا هو الغالب في استعمال هذه الكلمة، أى يطعمهم لا من أفخر أنواع الطعام ولا من أردئه ولكن من الطعام الذي يطعم منه أهله في الغالب.

والمعنى: لقد تفضل الله عليكم- أيها المؤمنون- بأن رفع عنكم العقوبة والكفارة في الأيمان اللغو، ولكنه- سبحانه- يؤاخذكم بتعقيدكم الأيمان وتوثيقها إذا ما حنثتم فيها ومتى حنث أحدكم في يمينه، فمن الواجب عليه لتكفير هذا اليمين ومحو إثمه أن يطعم عشرة مساكين طعاما يكون من متوسط ما يطعم منه أهله في الجودة والمقدار، أو أن يكسو هؤلاء المساكين العشرة كساء مناسبا ساترا للبدن أو أن يحرر رقبة بأن يعتق عبدا من الرق فيجعله حرا.

قال الجمل ما ملخصه: وقوله: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ مبتدأ وخبر.

وقوله: إطعام مصدر مضاف لمفعوله، وهو مقدر بحرف وفعل مبنى للفاعل أى فكفارته أن يطعم الحانث عشرة، وفاعل المصدر يحذف كثيرا.

وقوله: مِنْ أَوْسَطِ في محل نصب مفعول ثان لإطعام ومفعوله الأول عشرة أى:

فكفارته أن تطعموا عشرة مساكين إطعاما من أوسط ما تطعمون أهليكم.. وقوله:

ما تُطْعِمُونَ مفعوله الأول: أهليكم، ومفعوله الثاني: محذوف أى: «تطعمونه أهليكم» «٢» .

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد خير الحانث في يمينه بين أمور ثلاثة يختار إحداها، فإذا لم


(١) سورة ن الآية: ٢٨. [.....]
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٥٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>