يستطع إحداها، فقد بين سبحانه له حكما آخر فقال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ.
أى: فمن لم يجد ما يكفر حنثه في يمينه من إطعام أو كساء أو تحرير رقبة فعليه حينئذ أن يصوم ثلاثة أيام، تطهيرا لنفسه، وتكفيرا عن ذنبه، وتقوية لإرادته وعزيمته.
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ يعود إلى المذكور من الإطعام والكساء وتحرير الرقبة والصوم.
أى: ذلك الذي شرعناه لكم كفارة لأيمانكم إذا حلفتم وحنثتم فيها، وخالفتم طريق الحق الذي أمركم الله تعالى باتباعه.
وقوله: وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ أمر من الله تعالى لعباده بأن يصونوا أنفسهم عن الحنث في أيمانهم، وعن الإكثار منها لغير ضرورة، فإن الإكثار من الحلف بغير ضرورة يؤدى إلى قلة الحياء من الله تعالى. كما أن الحلف الكاذب يؤدى إلى سخطه سبحانه على الحالف وبغضه له.
وقوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ تذييل قصد به التذكير بنعم الله حتى يداوم الناس على شكرها وطاعة واهبها عز وجل.
أى: مثل هذا البيان البديع الجامع لوجوه الخير والفلاح، يبين الله لكم آياته المشتملة على الأحكام الميسرة، والتشريعات الحكيمة، والهدايات الجليلة لعلكم بذلك تستمرون على شكر الله وطاعته، وتواظبون على خشيته ومراقبته فتنالون ما وعدكم من فلاح وسعادة.
هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى:
١- أن اليمين اللغو لا مؤاخذة فيها. أى: لا عقوبة عليها في الآخرة ولا كفارة لها في الدنيا لقوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ.
ونعنى بها- كما سبق أن أشرنا- أن يقول الرجل من غير قصد الحلف لا والله وبلى والله.
ومع هذا فمن الأفضل للمؤمن ألا يلجأ إلى الحلف إلا إذا كانت هناك ضرورة تدعو لذلك لأن الإكثار من الحلف يسقط مهابة الإنسان، وقد يفضى به إلى الاستهانة بالآداب الحميدة التي شرعها الله.
قال تعالى: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «١» .
٢- أن اليمين التي يحلفها الحالف بالقصد والنية وهو كاذب فيها، يستحق صاحبها العذاب
(١) سورة النحل الآية ٩٤.