المال بالحظ المبنى على المصادفة والمخاطرة وَالْأَنْصابُ أى: الحجارة التي تذبح عليها الحيوانات تقربا للأصنام. وَالْأَزْلامُ أى: السهام التي عن طريقها يطلب الشخص معرفة ما قسم له من خير أو شر. هذه الأنواع الأربعة رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ أى: مستقذرة تعافها النفوس الكريمة، وتأباها العقول السليمة، لأنها من تزيين الشيطان الذي هو عدو للإنسان، ولا يريد له إلا ما كان شيئا قبيحا.
والفاء في قوله فَاجْتَنِبُوهُ للإفصاح، والضمير فيه يعود على الرجس الذي هو خبر عن تلك الأمور الأربعة وهي الخمر والميسر والأنصاب والأزلام.
أى: إذا كان تعاطى هذه الأشياء الأربعة رجسا وقذرا ينأى عنه العقلاء فاجتنبوه لعلكم بسبب هذا الاجتناب والترك لذلك الرجس تنالون الفلاح والظفر في دنياكم وآخرتكم.
والنداء بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عام لجميع المؤمنين، وقد ناداهم- سبحانه- بهذه الصيغة لتحريك حرارة العقيدة في قلوبهم حتى يستجيبوا لما نودوا من أجله، وهو اجتناب تلك الرذائل وتركها تركا تاما.
وقوله: رِجْسٌ خبر عن هذه الرذائل الأربعة. وصح الإخبار به- مع أنه مفرد- عن متعدد هو هذه الأربعة، لأنه مصدر يستوي فيه القليل والكثير وشبيه بذلك قوله- تعالى- إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ.
وقيل: لأنه خبر عن الخمر، وخبر المعطوفات عليها محذوف ثقة بالمذكور وقيل: لأن في الكلام مضافا إلى تلك الأشياء، وهو خبر عنه. أى: إنما شأن هذه الأشياء أو تعاطيها رجس.
وقوله: مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ في محل رفع على أنه صفة لقوله: رِجْسٌ أى: رجس كائن من عمل الشيطان، لأنه ناجم عن تزيينه وتسويله، إذ هو خبيث والخبيث لا يدعو إلا إلى الخبيث فالمراد من إضافة العمل إلى الشيطان المبالغة في كمال قبح ذلك العمل.
وعبر بقوله: فَاجْتَنِبُوهُ للمبالغة في الأمر بترك هذه الرذائل، فكأنه سبحانه يقول لا آمركم فقط بترك الرذائل، بل أمركم أيضا بأن تكونوا أنتم في جانب وهذه المنكرات في جانب آخر. فالأمر هنا منصب على الترك وعلى كل ما يؤدى إلى اقتراف هذه المنكرات كمخالطة المرتكبين لها. وغشيان مجالسها. إلخ.
ثم أكد سبحانه تحريم الخمر والميسر ببيان مفاسدهما الدنيوية والدينية فقال تعالى إِنَّما يُرِيدُ