الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ.
أى: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ بتزيينه المنكرات لكم أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ بأن يقطع ما بينكم من صلات، ويثير في نفوسكم الأحقاد والضغائن بسبب تعاطيكم للخمر والميسر، وذلك لأن شارب الخمر إذا ما استولت الخمر على عقله أزالت رشده. وأفقدته وعيه، وتجعله قد يسيء إلى من أحسن إليه، ويعتدى على صديقه وجليسه. وذلك يورث أشد ألوان العداوة والبغضاء بين الناس.
ولأن متعاطى الميسر كثيرا ما يخسر ما له على مائدة الميسر. والمال كما نعلم شقيق الروح، فإذا ما خسره هذا المقامر صار عدوا لمن سلب ماله منه عند المقامرة، وأصبح يضمر له السوء. وقد يؤدى به الحال إلى قتله حتى يشفى غيظه منه، لأنه قد جعله فقيرا بائسا مجردا من أمواله بعد أن كان مالكها وفي ذلك ما فيه من تولد العداوة والبغضاء وإيقاد نار الفتن والشرور بين الناس.
فقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ إشارة إلى مفاسدهما الدنيوية.
أما مفاسدهما الدينية فقد أشار إليها سبحانه بقوله: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ.
أى: ويريد الشيطان أيضا بسبب تعاطيكم للخمر والميسر- أن يصدكم أى يشغلكم ويمنعكم عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ أى: عن طاعته ومراقبته والتقرب إليه وَعَنِ الصَّلاةِ التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام.
وذلك لأن شارب الخمر يمنعه ما حل به من نشوة كاذبة، ومن فقدان لرشده عن طاعة الله وعن أداء ما أوجبه عليه من صلاة وغيرها.
ولأن متعاطى الميسر بسبب استحلاله لكسب المال عن هذا الطريق الخبيث، ويسبب فقدانه للعاطفة الدينية السليمة صار لا يفكر في القيام بما أوجبه الله عليه من عبادات.
ورحم الله الآلوسى، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: ووجه صد الشيطان لهم عن ذكر الله وعن الصلاة بسبب تعاطيهم للخمر والميسر أن الخمر لغلبة السرور بها والطرب على النفوس.
والاستغراق في الملاذ الجسمانية، تلهى عن ذكر الله تعالى- وعن الصلاة.
وأن الميسر إن كان اللاعب به غالبا، انشرحت نفسه، وصده حب الغلب والقهر والكسب عما ذكر، وإن كان مغلوبا حصل له من الانقباض والقهر ما يحثه على الاحتيال لأن يصير غالبا فلا يخطر بقلبه غير ذلك.