أى: فمن أصابته ضرورة قاهرة ألجأته إلى الأكل من هذه الأشياء المحرمة حالة كونه غير باغ في أكله، أى غير طالب للمحرم وهو يجد غيره. أو غير طالب له للذته، أو على جهة الاستئثار به على مضطر آخر بأن ينفرد بتناوله فيها عن الآخر.
أو حالة كونه- أيضا- غير عاد فيما يأكل، أى: غير متجاوز سد الجوعة فلا إثم عليه في هذه الأحوال.
وباغ: مأخوذ من البغاء وهو الطلب تقول: بغيته بغاء وبغى بغية وبغية أى: طلبته.
وعاد: اسم فاعل بمعنى متعد، تقول: فلان عدا طوره إذا تجاوز حده وتعداه إلى غيره فهو عاد، ومنه قوله- تعالى- بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ.
وقوله فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أى: فإن ربك واسع المغفرة والرحمة لا يؤاخذ المضطرين، ولا يكلف الناس بما فوق طاقتهم، وإنما هو رءوف رحيم بهم يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر.
والجملة الكريمة جواب الشرط باعتبار لازم المعنى وهو عدم المؤاخذة. وقيل جواب الشرط محذوف: أى فمن اضطر، فلا مؤاخذة عليه وهذه الجملة تعليل له.
هذا، والآية الكريمة ليس المقصود منها حصر المحرمات في هذه الأربعة وإنما المقصود منها الرد على مزاعم المشركين فيما حرموه بغير علم من البحائر والسوائب وغيرها.
قال ابن كثير: الغرض من سياق هذه الآية الرد على المشركين الذين ابتدعوا ما ابتدعوه من تحريم المحرمات على أنفسهم بآرائهم الفاسدة من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك. فأمر- تعالى- رسوله أنه لا يجد فيما أوحاه الله إليه أن ذلك محرم، وأن الذي حرمه هو الميتة وما ذكر معها وما عدا ذلك فلم يحرم، وإنما هو عفو مسكوت عنه. فكيف تزعمون أنه حرام؟! ومن أين حرمتموه ولم يحرمه الله- تعالى-؟! وعلى هذا فلا ينفى تحريم أشياء أخر فيما بعد هذا. كما جاء النهى عن الحمر الأهلية ولحوم السباع وكل ذي مخلب من الطير» «١» .
وقال القرطبي: والآية مكية، ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت محرم غير هذه الأشياء، ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة وزيد في المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وغير ذلك، وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وقد اختلف العلماء في حكم هذه الآية وتأويلها على أقوال:
الأول: ما أشرنا إليه من أن هذه الآية مكية وكل محرم حرمه رسول الله أو جاء في الكتاب