للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: أن قوله- تعالى- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كذا وكذا يفيد الحصر في اللغة.

لتقدم المعمول على عامله.

الثاني: أنه لو كانت هذه الحرمة ثابتة في حق الكل لم يبق لقوله وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا فائدة «١» .

ثم بين- سبحانه- ما حرم عليهم من غير ذوى الظفر فقال- تعالى-: وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما، أَوِ الْحَوايا، أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ.

والشحم: هو المادة الدهنية التي تكون في الحيوان وبها يكون لحمه سمينا والعرب تسمى سنام البعير، وبياض البطن شحما، وغلب إطلاق الشحم على ما يكون فوق أمعاء الحيوان.

والحوايا: - كما قال ابن جرير- جمع حاوياء وحاوية، وحوية وهي ما تحوى من البطن فاجتمع واستدار، وفسرت بالمباعر، والمرابض التي هي مجتمع الأمعاء في البطن «٢» .

والمعنى: كما حرمنا على اليهود كل ذي ظفر، فقد حرمنا عليهم كذلك من البقر والغنم شحومهما الزائدة التي تنتزع بسهولة، إلا ما استثنيناه من هذه الشحوم وهو ما حملت ظهورهما أو ما حملت حواياهما، أو اختلط من هذه الشحوم بعظمهما. فقد أحللناه لهم.

ثم بين- سبحانه- أن هذا التحريم كان نتيجة لطغيانهم فقال تعالى: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ أى. هذا الذي حرمناه على الذين هادوا من الأنعام والطير ومن البقر والغنم، وهذا التضييق الذي حكمنا به عليهم، إنما ألزمناهم به، بسبب بغيهم وظلمهم، وتعديهم حدود الله تعالى.

قال قتادة: إنما حرم الله عليهم ما ليس بخبيث عقوبة لهم وتشديدا عليهم.

ولما كان هذا النبأ عن شريعة اليهود، من الأنباء التي لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وقومه يعلمون عنها شيئا لأميتهم، وكان تكذيب اليهود له بأن الله لم يحرم ذلك عليهم عقوبة لهم، لما كان الأمر كذلك، أكد الله هذا النبأ بقوله: وَإِنَّا لَصادِقُونَ. أى: وإنا لصادقون- يا محمد- فيما أخبرناك به، ومن بينه ما أعلمناك عنه مما حرمناه على اليهود من الطيبات وهم الكاذبون في زعمهم أن ذلك إنما حرمه إسرائيل على نفسه، وأنهم إنما حرموه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه.

ومع أن الشحوم جميعا باستثناء ما أحله لهم منها محرمة عليهم، فإنهم تحايلوا على شرع الله،


(١) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ١٦.
(٢) تفسير ابن جرير ج ٨ ص ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>