للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى المجيء في قوله: أَجِئْتَنا، قلت فيه أوجه:

أن يكون لهود- عليه السلام- مكان معتزل عن قومه يتحنث فيه كما كان يفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحراء قبل المبعث، فلما أوحى إليه جاء قومه يدعوهم. وأن يريدوا به الاستهزاء، لأنهم كانوا يعتقدون أن الله- تعالى- لا يرسل إلا الملائكة، فكأنهم قالوا: أجئتنا من السماء كما يجيء الملك. وأنهم لا يريدون حقيقة المجيء. ولكن التعريض بذلك والقصد كما يقال: ذهب يشتمني ولا يراد حقيقة الذهاب، كأنهم قالوا أقصدتنا لنعبد الله وحده وتعرضت لنا بتكليف ذلك» «١» .

وقولهم: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ يدل على أنه كان يتوعدهم بالعذاب من الله. إذا استمروا على شركهم، ويدل- أيضا- على تصميمهم على الكفر، واحتقارهم لأمر هود- عليه السلام- واستعجالهم إياه بالعقوبة على سبيل التحدي، لأنهم كانوا يتوهمون أن العقوبة لن تقع عليهم أبدا.

وإزاء هذا التحدي السافر من قوم هود له ولدعوته ولوعيد الله لهم، ما كان من هود- عليه السلام- إلا أن جابههم بالرد الحاسم الذي تتجلى فيه الشجاعة التامة، والثقة الكاملة بأن الله سينصره عليهم وينتقم له منهم.

قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أى: قال هود لقومه بعد أن لجوا في طغيانهم: قد حق ووجب عليكم من قبل ربكم عذاب وسخط بسبب إصراركم على الكفر والعناد.

والرجس والرجز بمعنى، وأصل معناه الاضطراب يقال: رجست السماء أى: رعدت رعدا شديدا، وهم في مرجوسة من أمرهم أى: في اختلاط والتباس. ثم شاع في العذاب لاضطراب من حل به.

وعبر عن العذاب المتوقع وقوعه بأنه قَدْ وَقَعَ مبالغة في تحقيق الوقوع، وأنه أمر لا مفر لهم منه.

وعطف الغضب على الرجس، للإشارة إلى ما سينزل بهم من عذاب هو انتقام لا يمكن دفعه، لأنه صادر من الله الذي غضب عليهم بسبب كفرهم، وبعد أن أنذرهم هددهم بوقوع العذاب عليهم، ووبخهم على مجادلتهم إياه بدون علم فقال: أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ؟


(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>