أى: أتجادلوني وتخاصمونى في شأن أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات، لأنكم تسمونها آلهة مع أن معنى الإلهية فيها معدوم ومحال وجوده إذ المستحق للعبادة إنما هو الله الذي خلق كل شيء، أما هذه الأصنام التي زعمتم أنها آلهة فهي لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا.
فأنت ترى أن هودا- عليه السلام- قد حول آلهتهم إلى مجرد أسماء لا تبلغ أن تكون شيئا وراء الاسم الذي يطلق عليها، وهذا أعمق في الإنكار عليهم، والاستهزاء بعقولهم.
وقوله: ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أى: ما نزل الله بها من حجة أو دليل يؤيد زعمكم في ألوهيتها أو في كونها شفعاء لكم عند الله، وإنما هي أصنام باطلة قلدتم آباءكم في عبادتها بدون علم أو تفكير.
ثم هدد بالعاقبة المقررة المحتومة فقال: فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ أى: فانتظروا نزول العذاب الذي استعجلتموه وطلبتموه حين قلتم فَأْتِنا بِما تَعِدُنا فإنى معكم من المنتظرين لما سيحل بكم بسبب شرككم وتكذيبكم.
ولم يطل انتظار هود عليهم، فقد حل بهم العقاب الذي توعدهم به سريعا ولذا قال- تعالى-: فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا الفاء فصيحة. أى: فوقع ما وقع فأنجينا هودا والذين اتبعوه في عقيدته برحمة عظيمة منا لا يقدر عليها غيرنا.
وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أى: استأصلناهم عن آخرهم بالريح العقيم التي ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ.
فقطع الدابر كناية عن الاستئصال والإهلاك للجميع يقال قطع الله دابره أى: أذهب أصله.
وقوله: وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ عطف على كَذَّبُوا داخل معه حكم الصلة أى: أصروا على الكفر والتكذيب ولم يرجعوا عن ذلك أصلا.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما فائدة نفى الإيمان عنهم في قوله: وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ مع إثبات التكذيب بآيات الله؟ قلت: هو تعريض بمن آمن منهم- كمرثد بن سعد- ومن نجا مع هود- عليه السلام- كأنه قال: وقطعنا دابر الذين كذبوا منهم، ولم يكونوا مثل من آمن منهم ليؤذن أن الهلاك للمكذبين ونجى الله المؤمنين» «١» .
وهكذا طويت صفحة أخرى من صحائف المكذبين، وتحقق النذير في قوم هود كما تحقق قبل ذلك في قوم نوح.
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١١٩.