للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا: إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ. قالَ: نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ.

أى: وأقبل السحرة سريعا على فرعون بعد أن أرسل إليهم فقالوا له بلغة المحترف الذي مقصده الأول مما يعمله الأجر والعطاء: إن لنا لأجرا عظيما إن كانت لنا الغلبة على هذا الساحر العليم؟ فهم يستوثقون أولا من جزالة الأجر وضخامته. وهنا يجيبهم فرعون بقوله: نعم لكم أجر مادى جزيل إذا انتصرتم عليه، وفضلا عن ذلك فأنتم تكونون بهذا الانتصار من الظافرين بقربى وجواري. فهو يغريهم بالأجر المادي ويعدهم بالقرب المعنوي من قلبه تشجيعا لهم على الإجادة، وهو وهم لا يعلمون أن الموقف ليس موقف الاحتراف والمهارة والتضليل، وإنما هو موقف المعجزة والرسالة والاتصال بالقوة الغالبة التي لا يستطيع الوقوف في وجهها الساحرون ولا المتجبرون وغيرهم.

هذا، وقد اختلف المفسرون في عدد هؤلاء السحرة فقيل، كانوا اثنين وسبعين ساحرا، وقيل كانوا أكثر من ذلك بكثير.

وبعد أن اطمأن السحرة على الأجر، وتطلعت نفوسهم إليه، يحكى لنا القرآن أنهم توجهوا إلى موسى بلغة الواثق من قوته، المتحدى لخصمه: قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ.

أى: أنت يا موسى مخير بين أن تلقى عصاك أولا وبين أن نلقى نحن أولا وأنت تفعل ما تشاء بعدنا، وكأنهم يقولون له: وفي كلتا الحالتين فنحن على ثقة من الفوز والنصر فأرح نفسك واستسلم لنا مقدما.

ويرى الزمخشري أن تخييرهم إياه أدب حسن راعوه معه، كما يفعل أهل الصناعات إذا التقوا كالمتناظرين قبل أن يتخاوضوا في الجدال، والمتصارعين قبل أن يتآخذوا في الصراع «١» .

ولقد حكى لنا القرآن في سورة طه أن موسى نصحهم بعدم الدخول معه في معركة هم الخاسرون فيها قطعا فقال: قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى «٢» .

أما هنا فيحكى لنا القرآن أن موسى- عليه السلام- قد طلب منهم أن يلقوا أولا مستهينا بتحديهم له، غير مبال بهم ولا بمن جمعهم، لأنه قد اعتمد على خالقه قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ.


(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٤٠.
(٢) الآية ٦١ من سورة طه.

<<  <  ج: ص:  >  >>