للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا السحر إلى سليمان، وقالوا إنه كان يسخر به الجن والإنس والريح، فأكذبهم الله- تعالى- بقوله: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا كما بينا.

والضمير في قوله تعالى: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ يعود على الشياطين الذين افتروا الأكاذيب على سليمان- عليه السلام-.

ويجوز أن يعود على اليهود الذين نبذوا كتاب الله واتبعوا ما تلته الشياطين على سليمان.

قال الأستاذ الإمام: في قوله تعالى يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ: وجهان:

أحدهما: أنه متصل بقوله تعالى: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا أى: أن الشياطين هم الذين يعلمون الناس السحر.

والثاني: وهو الأظهر أنه متصل بالكلام عن اليهود وأن الكلام في الشياطين قد انتهى عند قوله تعالى كَفَرُوا وانتحال اليهود لتعليم السحر أمر كان مشهورا في زمن التنزيل ولا يزالون ينتحلون ذلك إلى اليوم، أى أن فريقا من اليهود نبذوا كتاب الله واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وهاهنا يقول القائل: بماذا اتبعوا أولئك الشياطين الذين كذبوا على سليمان في رميه بالكفر وزعمهم أن السحر استخرج من كتبه التي كانت تحت كرسيه؟ فأجاب على طريق الاستئناف البياني يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ.

ونفى الكفر عن سليمان والصاقه بالشياطين الكاذبين ذكر بطريق الاعتراض، فعلم- أيضا- أنهم اتبعوا الشياطين بهذه الفرية، وإنما كان القصد إلى وصف اليهود بتعلم السحر، لأنه من السيئات التي كانوا متلبسين بها، ويضرون بها الناس خداعا وتمويها وتلبسا «١» .

وإنما أضاف الله- تعالى- إلى اليهود أنهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان خاصة مع أنه كان معروفا قبل سليمان- عليه السلام- كما أخبر به القرآن عن سحرة فرعون، وإنما أضاف ذلك إليهم، لأن هذا كان هو الواقع منهم، ولأن سحر هؤلاء الشياطين الذين كانوا على عهد سليمان، كان مدونا في صحف اليهود من قديم، وتوارثه خلفهم عن سلفهم إلى أن وصل إلى من عاصر النبي صلّى الله عليه وسلّم منهم ولأن سليمان- عليه السلام- أعطاه الله تعالى ملكا واسعا، وسخر له الإنس والجن والريح، فعزت الشياطين ذلك كله إلى تعلمه السحر.

وما في قوله تعالى: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ موصولة، وهي معطوفة على السحر في قوله تعالى: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ أى يعلمون الناس السحر، ويعلمونهم الذي أنزل على الملكين.


(١) تفسير المنار ج ١ ص ٤٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>