للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي أنزل عليهما هو وصف السحر وماهيته وكيفية الاحتيال به. ليعرفاه الناس فيجتنبوه، على حد قول الشاعر:

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ... ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه.

فالشياطين عرفوه فعملوا به، وعلموه للناس ليستعملوه في الشرور والمآثم بينما المؤمنون عرفوه واستفادوا من الاطلاع عليه فتجنبوه «١» .

هذا، واختصت بابل «٢» بالإنزال، لأنها كانت أكثر البلاد عملا بالسحر، وكان سحرتها قد اتخذوا السحر وسيلة لتسخير العامة لهم في أبدانهم وعقولهم وأموالهم، ثم جروهم إلى عبادة الأصنام والكواكب فحدث فساد عظيم، وعمت الأباطيل فألهم الله- تعالى- هاروت وماروت أن يكشفا للناس حقيقة السحر ودقائقه، حتى يعلموا أن السحرة الذين صرفوهم عن عبادة الله إلى عبادة الكواكب وغيرها قد خدعوهم وأضلوهم، وبذلك يعودون إلى الصراط المستقيم.

واللام في الْمَلَكَيْنِ مفتوحة في القراءات العشر المتواترة، وقرئ شاذا الْمَلَكَيْنِ بكسر اللام.

قال بعض المفسرين: المراد بالملكين- بفتح اللام- رجلان صالحان اطلعا على أسرار السحر التي كانت تفعلها السحرة، فعلماها للناس ليحذراهم من الانقياد لتلبيسات الشياطين، وسميا ملكين مع أنهما من البشر لصلاحهما وتقواهما، ويؤيد هذا الرأى قراءة الملكين- بكسر اللام- وإن كانت شاذة:

وقال جمهور المفسرين: إنهما ملكان على الحقيقة أنزلهما الله- تعالى- ليعلما الناس السحر ابتلاء لهم، ليفضحا مزاعم السحرة الذين كانوا يدعون النبوة كذبا، ويسخرون العامة لهم ويخرجونهم إلى عبادة غير الله، (وهاروت وماروت) اسمان للملكين الذين أنزل عليهما السحر، وهما بدل أو عطف بيان للملكين.


(١) ويجوز أن تكون (ما) معطوفة على قوله تعالى: ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ والمعنى على هذا الرأى. واتبع اليهود بعد أن نبذوا كتاب الله السحر الذي تلته الشياطين على عهد سليمان واتبعوا كذلك السحر الذي أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وعلى هذا الرأى يكون قوله تعالى: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يعلمون الناس السحر جملة معترضة بين المتعاطفين قصد بها تبرئة سليمان من السحر وإضافته إلى الشياطين، وبيان أنهم هم الذين تعلموه وعلموه الناس بقصد إضلالهم. هذا وفي إعراب (ما) في قوله تعالى: (وما أنزل على الملكين) آراء أخرى اكتفينا عنها بما ذكرناه لوفاته بالغرض.
(٢) بابل: مدينة بالعراق ينسب إليها السحر والخمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>