وقوله تعالى: وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ بيان لما كان ينصح به الملكان من يريد تعلم السحر منهما. والجملة حالية من هاروت وماروت.
والفتنة، المراد بها هنا الابتلاء والاختبار، تقول: فتنت الذهب في النار، أى: اختبرته لتعرف جودته ورداءته.
والمعنى: أن الملكين لا يعلمان أحدا من الناس السحر إلا وينصحانه بقولهما إن ما نعلمك إياه من فنون السحر الغرض منه الايتلاء والاختبار لتمييز المطيع من المعاصي. فمن عمل به ضل وغوى، ومن تركه فهو على هدى ونور من الله، ولإظهار الفرق بين المعجزة والسحر.
فحذار أن تستعمل ما تعلمته فيما نهيت عنه فتكون من الكافرين. كما كفر السحرة بنسبتهم التأثيرات إلى الكواكب وغيرها من المخلوقات.
فالمقصود من تعليم الملكين للناس السحر، فضح أمر السحرة الذين كثروا في تلك الأيام، وادعوا ما لم يأذن به الله، وإظهار الفرق بين المعجزة والسحر حتى يعلم الناس أن هؤلاء السحرة الذين قد يزعمون بمرور الأيام أنهم أنبياء ليسوا كذلك، وإنما هم أفاكون، وأخبروا على أنفسهم بطريق القصر بأنهم فتنة للمبالغة في الإقرار بأنهما لا يملكان نفعا ولا ضرا لأحد، وإنما هما فتنة محضة، وابتلاء من الله لعباده لتمييز المطيع من العاصي.
ثم بين- سبحانه- لونا من السحر البغيض الذي استعمله أولئك السحرة في الأذى فقال تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ أى فيتعلم بعض الناس من الملكين ما يحصل به الفراق بين المرء وزوجه.
فالجملة الكريمة تفريع عما دل عليه قوله تعالى قبل ذلك: وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ لأنه يقتضى أن التعليم حاصل، وأن بعض المتعلمين قد استعملوه في التفريق بين الزوجين.
وخصص سبحانه هذا اللون من السحر بالنص عليه للتنبيه على شدة فساده. وعلى شناعة ذنب من يقوم به. لأنه تسبب عنه التفريق بين الزوجين اللذين جمعت بينهما أواصر المودة والرحمة.
والضمير في قوله تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ راجع لأحد، وصح عود ضمير الجمع عليه مع أنه مفرد، لوقوعه في سياق النفي، والنكرة إذا وردت بعد نفى كانت في معنى أفراد كثيرة، فصح أن يعود ضمير الجمع إليه كذلك.
ثم نفى- سبحانه- أن يكون السحر مؤثرا بذاته فقال تعالى: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ