أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
أى: أن أولئك السحرة لن يضروا أو ينفعوا أحدا بسحرهم إلا بإذن الله وقدرته، فالسحر سبب عادى لما ينشأ عنه من الاضرار ويجوز أن يتخلف عنه مسببه إذا أذن الله بذلك.
والجملة الكريمة معترضة لدفع توهم أن يكون السحر مضرا بذاته، بحيث لا يتخلف عنه الضرر متى تعاطاه الساحر.
والمراد بِإِذْنِ اللَّهِ هنا. تخليته- سبحانه- بين المسحور وضرر السحر، أى: إن شاء حصل الضرر بسبب السحر، وإن شاء منعه فلا يصيب المسحور منه شيء من الأذى.
وعبر- سبحانه- عن هذا المعنى بطريق القصر، مبالغة في نفى أى تأثير للسحر بذاته، وإغراء للناس بتكذيب ما يزعمه السحرة من أن لهم قوى غيبية سوى الأسباب التي ربط الله بها المسببات، وإرشادا لهم إلى حسن الاعتقاد، وسلامة اليقين.
ثم بين- سبحانه- أن أولئك المتعلمين السحر للأذى وللتفرقة بين المتحابين يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، فقال تعالى: وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ أى: أن أولئك الذين تعلموا السحر ليضروا به غيرهم، ولم يتعلموه ليفرقوا به بين الحق والباطل، أو ليدفعوا به الشر عن أنفسهم، قد سلكوا بهذا التعليم الطريق الذي يضرهم ولا ينفعهم، وأصبحوا بذلك عاصين لما نصحهم به الملكان عند تعليم السحر.
وفي هذه الجملة الكريمة زيادة تنبيه على تفاهة عقول المشتغلين بالسحر للأذى ومبالغة في تجهيل المصدقين لهم، لأن الساحر- مهما بلغت براعته- فلن يستطيع أن يمنع شيئا أراده الله، ولا أن يأتى بشيء منعه الله مادام الأمر كذلك فالمشتغل به، والمصدق له كلاهما وقع في ضلال مبين.
وقد أفادت الجملة الكريمة بجمعها بين إثبات الضر ونفى النفع مفاد الحصر فكأنه- سبحانه- يقول: ويتعلمون ما ليس إلا ضررا بحتا.
ثم بين- سبحانه- مآل أولئك اليهود التاركين للحق، والمتبعين للباطل فقال تعالى:
وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ أى: ولقد علم أولئك اليهود الذين نبذوا تعاليم كتابهم واتبعوا السحر، أن من استبدل السحر بكتاب الله ليس له من حظ في الجنة، لأنه قد اختار الضلال وترك الهدى، وعلمهم مرجعه إلى أن التوراة قد حرمت عليهم تعلم السحر أو تعليمه للأذى والضرر، وشددت العقوبة على مرتكبه، وعلى متبع الجن والشياطين والكهان.
فالضمير في عَلِمُوا يعود إلى أولئك اليهود الذي تركوا كتاب الله واستبدلوا به السحر.