والمعنى: يسألك يا محمد هؤلاء القوم عن الساعة قائلين أيان مرساها؟.
أى متى إرساؤها واستقرارها، أو متى زمن مجيئها وحصولها؟.
وقوله قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي جواب عن سؤالهم: أى: قل أيها الرسول الكريم: علم الساعة أو علم قيامها عند ربي وحده ليس عندي ولا عند غيرى من الخلق شيء منه.
والتعبير بإنما المفيد للحصر للاشعار بأنه- سبحانه- هو الذي استأثر بعلم ذلك ولم يخبر أحدا به من ملك مقرب أو نبي مرسل.
وقوله لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ بيان لاستمرار إخفائها إلى حين قيامها وإقناط كلى عن إظهار أمرها بطريق الإخبار.
والتجلية: الكشف والإظهار. يقال: جلى لي الأمر وانجلى وجلاه تجلية بمعنى: كشفه وأظهره أتم الإظهار.
والمعنى: لا يكشف الحجاب عن خفائها، ولا يظهرها للناس في الوقت الذي يختاره إلا الله وحده.
قال بعضهم: والسبب في إخفاء الساعة عن العباد لكي يكونوا دائما على حذر، فيكون ذلك أدعى للطاعة وأزجر عن المعصية، فإنه متى علمها المكلف ربما تقاصر عن التوبة وأخرها.
ثم عظم- سبحانه- أمر الساعة فقال ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى: كبرت أو شقت على أهلها لخوفهم من شدائدها وأهوالها وما فيها من محاسبة ومجازاة، وعن السدى: أن من خفى عليه علم شيء كان ثقيلا عليه.
أو المعنى: ثقلت عند الوقوع على نفس السموات حتى انشقت وانتثرت نجومها وكورت شمسها، وعلى نفس الأرض حتى سيرت جبالها، وسجرت بحارها، وقوله: «لا تأتيكم إلا بغتة» أى: لا تأتيكم إلا فجأة وعلى حين غفلة من غير توقع ولا انتظار.
وقد وردت أحاديث متعددة تؤيد وقوع الساعة فجأة، ومنها ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه. ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته- أى ناقته ذات اللبن- فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه- أى يطليه بالجص أو الطين- فلا يسقى فيه.
ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فمه فلا يطعمها» .
ثم قال- تعالى- يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.