للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى: يسألونك يا محمد هذا السؤال كأنك حفى عنها أى: كأنك حفى عنها أى: كأنك عالم بها. من حفى عن الشيء إذا بحث عن تعرف حاله بتتبع واستقصاء ومن بحث عن شيء وسأل عنه استحكم علمه به، وعدى حَفِيٌّ بعن اعتبارا لأصل معناه، وهو السؤال والبحث.

قال صاحب الكشاف: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها عالم بها. وحقيقته كأنك بليغ في السؤال عنها، لأن من بالغ في المسألة عن الشيء والتنقير عنه. استحكم علمه فيه ورصن- أى ثبت وتمكن-، وهذا التركيب معناه المبالغة ومنه إحفاء الشارب، واحتفاء البقل، استئصاله، وأحفى في المسألة إذا ألحف- أى ألح وتشدد- وحفى بفلان وتحفى به: بالغ في البر به..

وقيل: إن قريشا قالت له إن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة؟ فقيل: يسألونك عنها كأنك حفى تتحفى بهم فتختصهم بتعليم وقتها لأجل القرابة وتزوى علمها عن غيرهم، ولو أخبرت بوقتها لمصلحة عرفها الله في اخبارك به، لكنت مبلغه للقريب والبعيد من غير تخصيص، كسائر ما أوحى إليك.

ثم قال: فإن قلت: لم كرر يسألونك وإنما علمها عند الله؟ قلت: للتأكيد ولما جاء به من زيادة قوله كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها وعلى هذا تكرير العلماء والحذاق» «١» .

وقال صاحب الانتصاف: وفي هذا النوع من التكرير نكتة لا تلقى إلا في الكتاب العزيز، وهو أجل من أن يشارك فيها. وذاك أن المعهود في أمثال هذا التكرار أن الكلام إذا بنى على مقصد واعترض في أثنائه عارض فأريد الرجوع لتتميم المقصد الأول وقد بعد عهده، طرى بذكر المقصد الأول لتتصل نهايته ببدايته، وقد تقدم لذلك في الكتاب العزيز أمثال، وسيأتى، وهذا منها فإنه لما ابتدأ الكلام. بقوله «يسألونك عن الساعة أيان مرساها» ثم اعترض ذكر الجواب المضمن في قوله قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي إلى قوله بَغْتَةً أن يدمغ تتميم سؤالهم عنها بوجه من الإنكار عليهم، وهو المضمن في قوله كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها وهو شديد التعلق بالسؤال وقد بعد عهده، فطري ذكره تطرية عامة، ولا تراه أبدا يطري إلا بنوع من الإجمال كالتذكرة للأول مستغنى عن تفصيله بما تقدم. فمن ثم قيل يَسْئَلُونَكَ ولم يذكر المسئول عنه وهو «الساعة» اكتفاء بما تقدم، فلما كرر السؤال لهذه الفائدة كرر الجواب أيضا مجملا فقال:

قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ ويلاحظ هذا في تلخيص الكلام بعد بسطه» «٢» .

هذا، وإذا كان علم الساعة مرده إلى الله وحده، فإن هناك نصوصا من الكتاب والسنة تحدثت عن أماراتها وعلاماتها، ومن ذلك قوله- تعالى-:


(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٨٥.
(٢) الانتصاف على الكشاف ج ٢ ص ١٨٤ لابن المنير.

<<  <  ج: ص:  >  >>