للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عند الله خيرا مما شروا به أنفسهم، فحذف الفعل، وغير السبك إلى ما عليه النظم الكريم، للدلالة على ثبوت المثوبة لهم والجزم بخيريتها.

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف «١» بقوله: (فإن قلت: كيف أوثرت الجملة الاسمية على الفعلية في جواب لو؟ قلت: لما في ذلك من الدلالة على ثبات المثوبة واستقرارها، كما عدل عن النصب إلى الرفع في سلام عليكم لذلك.

وقال الإمام الآلوسى: (المثوبة: اسم مصدر أثاب إذا أعطى الثواب، والثواب الجزاء الذي يعطى للغير. ولم يقل- سبحانه- لمثوبة الله مع أنه أخصر، ليشعر التنكير بالتقليل فيفيد أن شيئا قليلا من ثواب الله- تعالى- في الآخرة الدائمة، خير من متاع كثير في الدنيا الفانية، فكيف وثواب الله- تعالى- كثير دائم، وفيه من الترغيب والترهيب المناسبين للمقام ما لا يخفى «٢» .

وقوله تعالى: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ شرط آخر محذوف الجواب لدلالة ما تقدم عليه، وحذف مفعول يُعَلِّمُونَ لدلالة لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ عليه. أى: لو كانوا يعلمون مثوبة الله لما اشتروا السحر بالإيمان.

وبذلك تكون الآيات الكريمة التي سقناها في هذا المبحث قد دمغت بنى إسرائيل بجحود الحق، ونبذهم لتعاليم كتابهم وإيثارهم عليها الأكاذيب والأباطيل، وسيرهم في طريق الشر عن تعمد وإصرار، وعدم عملهم بما يعلمون لانحراف طباعهم، وحماقة تفكيرهم وسوء تدبيرهم.

واستحواذ الشيطان عليهم.. فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ.

هذا، ويحسن بنا قبل أن نختم هذا البحث، أن نذكر كلمة موجزة عن السحر فنقول:

السحر: في أصل اللغة معناه: الصرف، ومنه قوله تعالى فَأَنَّى تُسْحَرُونَ أى: فكيف تصرفون عن الحق إلى الباطل.

وقد ذكر السحر في القرآن والسنة، واتفق علماء المسلمين على أن هناك شيئا يسمى سحرا، إلا أنهم اختلفوا في تصويره.

فجمهور أهل السنة ذهب إلى أن للسحر آثارا حقيقية، وأن الساحر قد يأتى بأشياء غير عادية، إلا أن الفاعل الحقيقي في كل ذلك هو الله- تعالى- واستدلوا على ذلك بأدلة منها.


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٢٢٨.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١ ص ٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>