للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولا: أن الله- تعالى- قد أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم، أن يستعيذ به مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ وهم السحرة- على أرجح الأقوال.

قال الإمام ابن كثير: قوله تعالى وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك، يعنى السواحر قال مجاهد «إذا رقين ونفثن في العقد» «١» .

فالآية الكريمة تدل على أن للسحر آثارا حقيقة، وإلا لما أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يستعيذ من شرور السحرة.

ثانيا: قال الإمام البخاري: - في باب هل يستخرج السحر-: حدثني عبد الله بن محمد، قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: أول من حدثنا به ابن جريج يقول: حدثني آل عروة عن عروة، فسألت هشاما عنه فحدثنا عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سحر حتى كان يرى أنه يأتى النساء ولا يأتيهن، قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذلك. فقال: «يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتانى فيما استفتيته فيه؟ أتانى رجلان فقعد أحدهما عند رأسى والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسى للآخر، ما بال الرجل: مطبوب، قال ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم- رجل من بنى زريق حليف اليهود كان منافقا- قال.

وفيم: قال: في مشط ومشاطه، قال: وأين؟ قال في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان. قالت: فأتى البئر حتى استخرجه، فقال: «هذه البئر التي أريتها وكأن نخلها رءوس الشياطين» قال فاستخرج- أى السحر- قالت: فقلت أفلا- أى- تنشرت؟ فقال: «إن الله قد شفاني وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا» «٢» .

فهذا الحديث الصحيح يفيد أن السحر قد أثر في جسم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بنوع من المرض أو الثقل، دون أن يكون لذلك أدنى تأثير في عقله.


(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٥٧٣.
(٢) فتح الباري: لابن حجر ج ١٢ ص ٢٤٥ طبعة الحلبي.
وهذا تفسير موجز لمفردات الحديث: «هشام» هو ابن عروة بن الزبير ومعنى: «أفتانى فيما استفيته فيه» : أجابنى فيما دعوته من أن يطلعني على حقيقة ما «مطبوب» أى مسحور يقال: طب الرجل- بالضم- إذا سحر.
«المشط» : الآلة التي يسرح بها شعر الرأس واللحية «والمشاطة» : ما يخرج من الشعر إذا مشط «وجف طلع نخلة ذكر» هو الغشاء الذي يكون على الطلع ويطلق على الذكر والأنثى فلهذا قيده بالذكر. «والراعوفة» حجر يوضع على رأس البئر يقوم عليه المستقى وقد يكون في أسفلها «وبئر ذروان» : اسم لموضع البئر» كأن ماءها نقاعة الحناء» : يعنى أحمر اللون. «أفلا أى تنشرت» : النشرة- بالضم- ضرب من العلاج يعالج به من يظن أن به سحرا أو مسا من الجن قيل لها ذلك: لأنه يكشف بها عما خالطه من الداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>