للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاعتذار معناه محاولة محو أثر الذنب، مأخوذ من قولهم: اعتذرت المنازل إذا اندثرت وزالت، لأن المعتذر يحاول إزالة أثر ذنبه.

والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المنافقين المستهزئين بما يجب إجلاله واحترامه وتوقيره: قل لهم على سبيل التوبيخ والتجهيل أيضا- لا تشتغلوا بتلك المعاذير الكاذبة فإنها غير مقبولة، لأنكم بهذا الاستهزاء بالله وآياته ورسوله قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ أى: قد ظهر كفركم وثبت، بعد إظهاركم الإيمان على سبيل المخادعة، فإذا كنا قبل ذلك نعاملكم معاملة المسلمين بمقتضى نطقكم بالشهادتين فنحن الآن نعاملكم معاملة الكافرين بسبب استهزائكم بالله وآياته ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن الاستهزاء بالدين. كما يقول الإمام الرازي. يعد من باب الكفر، إذ أنه يدل على الاستخفاف، والأساس الأول في الإيمان تعظيم الله- تعالى- بأقصى الإمكان، والجمع بينهما محال «١» .

وقوله- تعالى-: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ بيان لمظهر من مظاهر عدله- سبحانه- ورحمته.

أى: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ- أيها المنافقون- بسبب توبتهم وإقلاعهم عن النفاق، نُعَذِّبْ طائِفَةً أخرى منكم بسبب إصرارهم على النفاق، واستمرارهم في طريق الفسوق والعصيان.

هذا، وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها:

ما جاء عن زيد بن أسلم: أن رجلا من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك:

ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء!! فقال له عوف:

كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه.

قال زيد: قال عبد الله بن عمر: فنظرت إليه- أى إلى المنافق- متعلقا بحقب «٢» ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه «٣» الحجارة يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم «أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون» «٤» .


(١) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٤٦٠.
(٢) الحقب- بفتحتين- حبل يشد به الرحل في بطن البعير.. [.....]
(٣) تنكبه الحجارة: تصيبه وتؤذيه.
(٤) تفسير ابن جرير ج ١٤ ص ٣٣٣ طبعة دار المعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>