يبسا، فساروا فيه حتى بلغوا نهايته، فأتبعهم فرعون وجنوده لا لطلب الهداية والإيمان، ولكن لطلب البغي والعدوان.
قال الآلوسى:«وذلك أن الله- تعالى- لما أخبر موسى وهارون- عليهما السلام- بإجابته دعوتهما، أمرهما بإخراج بنى إسرائيل من مصر ليلا، فخرجا بهم على حين غفلة من فرعون وملئه، فلما أحسن بذلك، خرج هو وجنوده على أثرهم مسرعين، فالتفت القوم فإذا الطامة الكبرى وراءهم، فقالوا يا موسى، هذا فرعون وجنوده وراءنا. وهذا البحر أمامنا فكيف الخلاص، فأوحى الله- تعالى- إلى موسى، أن اضرب بعصاك البحر، فضربه فانفلق اثنى عشر فرقا كل فرق كالطود العظيم، وصار لكل سبط طريق فسلكوا، ووصل فرعون ومن معه إلى الساحل وبنو إسرائيل قد خرجوا من البحر ومسلكهم باق على حاله، فسلكه فرعون وجنوده، فلما دخل آخرهم وهم أولهم بالخروج من البحر، انطبق عليهم وغشيهم من اليم ما غشيهم»«١» .
ثم حكى- سبحانه- ما قاله فرعون عند ما نزل به قضاء الله الذي لا يرد فقال- تعالى-: حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
أى: لقد اتبع فرعون وجنوده بنى إسرائيل بغيا وعدوا، فانطبق عليه البحر، ولفه تحت أمواجه ولججه، حتى إذا أدركه الغرق وعاين الموت وأيقن أنه لا نجاة له منه، قال آمنت وصدقت. بأنه لا معبود بحق سوى الإله الذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من القوم الذين أسلموا نفوسهم لله وحده وأخلصوها لطاعته.
ولما كان هذا القول قد جاء في غير أوانه، وأن هذا الإيمان لا ينفع لأنه جاء عند معاينة الموت، فقد رد الله- تعالى- على فرعون بقوله- سبحانه- آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ، وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ.
أى: آلآن تدعى الإيمان حين يئست من الحياة، وأيقنت بالموت، والحال أنك كنت قبل ذلك من العصاة المفسدين في الأرض، المصرين على تكذيب الحق الذي جاءك به رسولنا موسى- عليه السلام- والظرف «آلآن» متعلق بمحذوف متأخر، والاستفهام للتقريع والتوبيخ والإنكار.
وقوله: وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ جملة حالية من فاعل الفعل المقدر، أى: آلآن تدعى