للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيمان والحال أنك عصيت قبل وكنت من المفسدين.

قال الإمام ابن كثير: «وهذا الذي حكاه الله- تعالى- عن فرعون من قوله هذا في حاله ذاك. من أسرار الغيب التي أعلم الله- تعالى- بها رسوله- صلى الله عليه وسلم-، ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله.

حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لما قال فرعون:

آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، قال جبريل لي يا محمد لو رأيتنى وقد أخذت حالا من حال البحر- أى طينا أسود من طين البحر- فدسسته في فمه مخافة أن تناله الرحمة» .

ورواه الترمذي، وابن جرير، وابن أبى حاتم في تفاسيرهم، من حديث، حماد بن سلمة وقال الترمذي: حديث حسن.

ثم ساق ابن كثير بعد ذلك جملة من الأحاديث في هذا المعنى» «١» .

وقوله- سبحانه-: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً.. تهكم به، وتخييب لآماله، وقطع لدابر أطماعه، والمعنى إن دعواك الإيمان الآن مرفوضة، لأنها جاءت في غير وقتها، وإننا اليوم بعد أن حل بك الموت، نلقى بجسمك الذي خلا من الروح على مكان مرتفع من الأرض لتكون عبرة وعظة للأحياء الذين يعيشون من بعدك سواء أكانوا من بنى إسرائيل أم من غيرهم، حتى يعرف الجميع بالمشاهدة أو الإخبار، سوء عاقبة المكذبين، وأن الألوهية لا تكون إلا لله الواحد الأحد، الفرد الصمد.

قال الإمام الشوكانى: «قوله فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ.. قرئ ننجيك بالتخفيف، والجمهور على التثقيل.

أى: نلقيك على نجوة من الأرض. وذلك أن بنى إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون قد غرق، وقالوا: هو أعظم شأنا من ذلك، فألقاه الله على نجوة من الأرض أى مكان مرتفع من الأرض حتى شاهدوه.

ومعنى بِبَدَنِكَ بجسدك بعد سلب الروح منه. وقيل معناه بدرعك والدرع يسمى بدنا، ومنه قول كعب بن مالك:

ترى الأبدان فيها مسبغات ... على الأبطال واليلب الحصينا


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٢٧، طبعة دار الشعب.

<<  <  ج: ص:  >  >>