للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التثنية من التوراة (أقيم لهم من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به) .

والنبي المماثل لموسى- عليه السلام- في الرسالة والشريعة المستأنفة هو النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم وإخوة بنى إسرائيل هم العرب، لأنهما يجتمعان في إبراهيم- عليه السلام- وقوله: «وأجعل كلامي في فمه، يوافق حال النبي صلّى الله عليه وسلّم من الأمية وعدم تعاطى الكتابة» «١» .

ثم ختمت الآية بالوعيد الشديد لهم على مزاعمهم الباطلة، فقال تعالى وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.

الغفلة: السهو والنسيان، والمراد أنه- سبحانه- محيط بأعمال هؤلاء الذين كتموا الحق، لا تخفى عليه منها خافية وسيحاسبهم عليها حسابا عسيرا، ويعاقبهم على مزاعمهم الباطلة عقابا أليما، فالجملة الكريمة تهديد ووعيد لأهل الكتاب.

ثم حذر الله- تعالى- أهل الكتاب- في ختام الآيات- من التمادي في الكفر والمعصية، أنكالا على انتسابهم لآباء كانوا من الأنبياء أو من الصالحين، فقال تعالى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ.

تِلْكَ إشارة إلى أمة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط و (الأمة) المراد بها هنا الجماعة من الناس الذين يجمعهم أمر واحد وهو هنا الدين (قد خلت) أى مضت وانقرضت.

ومعنى الآية الكريمة: قل يا محمد لأهل الكتاب الذين زعموا أن الهداية في ملتهم وأن إبراهيم وآله كانوا هودا أو نصارى، قل لهم: إن إبراهيم وآله يمثلون أمة مضت لسبيلها لها عند الله ما كسبت من خير وعليها ما اكتسبت من شر ولا ينفعها غير صالح أعمالها، ولا يضرها سوى سيئها، وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لهؤلاء الذين تفتخرون بهم، فمن الأولى أن يكون الأمر كذلك بالنسبة لكم فعليكم أن تسلكوا طريق الايمان والعمل الصالح وأن تتركوا الاتكال على فضائل الآباء والأجداد فإن كل نفس يوم القيامة ستسأل عن أعمالها دون أعمال غيرها، كما بين ذلك قوله تعالى كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ.

فالمقصد الأول الذي ترمى إليه الآية الكريمة، هو تحذير المخاطبين من تركهم الإيمان والطاعة اعتمادا منهم على انتسابهم لآباء كانوا أنبياء أو صالحين، فإن هذا الاعتماد إنما هو نوع من الأمانى الكاذبة والأفكار الفاسدة وقد جاء في الحديث الشريف (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) .


(١) مجلة لواء الإسلام العدد ١٢ السنة الثالثة ص ٨٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>