كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحب أن يتوجه إلى الكعبة، فأنزل الله- تعالى- قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس- وهم اليهود- ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها.
ثم لقن الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم الجواب الذي يخرس به ألسنة المعترضين من اليهود وغيرهم، فقال تعالى: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
أى قل لهم- يا محمد- إذا اعترضوا على التحويل: إن الأمكنة كلها لله ملكا وتصرفا وهي بالنسبة إليه متساوية، وله أن يخص بعضها بحكم دون بعض، فإذا أمرنا باستقبال جهة في الصلاة فلحكمة اقتضت الأمر وما على الناس إلا أن يمتثلوا أمره، والمؤمنون ما اتخذوا الكعبة قبلة لهم إلا امتثالا لأمر ربهم، لا ترجيحا لبعض الجهات من تلقاء أنفسهم فالله هو الذي يهدى من يشاء هدايته، إلى السبيل الحق، فيوجه إلى بيت المقدس مدة حيث اقتضت حكمته ذلك، ثم إلى الكعبة، حيث يعلم المصلحة فيما أمر به.
- ثم وصف الله- تعالى- الأمة الإسلامية، بأنها أمة خيرة عادلة مزكاة بالعلم والعمل فقال تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.
والمعنى: ومثل ما جعلنا قبلتكم- أيها المسلمون- وسطا لأنها البيت الحرام الذي هو المثابة للناس، والأمن لهم، جعلناكم- أيضا- أُمَّةً وَسَطاً أى: خيارا عدولا بين الأمم ليتحقق التناسب بينكم وبين القبلة التي تتوجهون إليها في صلواتكم، تشهدون على الأمم السابقة بأن أنبياءهم قد بلغوهم الرسالة، ونصحوهم بما ينفعهم، ولكي يشهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم عليكم بأنكم صدقتموه وآمنتم به.
أخرج البخاري عن أبى سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقال له: هل بلغت ما أرسلت به؟ فيقول نعم، فيقال لأمته هل بلغكم. فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقال له: من يشهد لك. فيقول:
محمد وأمته. فيشهدون أنه قد بلغ، فذلك قوله- جل ذكره- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «١» .
ثم بين الله- تعالى- الحكمة في تحويل القبلة إلى الكعبة فقال تعالى: