أى: إذا كان الله- تعالى- قد منحني كل هذه النعم، وأمرنى بأن أبلغكم دعوته فمن ذا الذي يجيرني ويعصمني من غضبه، إذا أنا خالفت أمره أو قصرت في تبليغ دعوته، احتفاظا برجائكم في، ومسايرة لكم في باطلكم؟
لا، إننى سأستمر في تبليغ ما أرسلت به إليكم، ولن يمنعني عن ذلك ترغيبكم أو ترهيبكم.
وقوله فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ تصريح منه بأن ما عليه هو الحق الذي لا يقبل الشك أو الريب، وأن مخالفته توصل إلى الهلاك والخسران.
والتخسير: مصدر خسر، يقال خسر فلان فلانا إذا نسبه إلى الخسران. أى: فما تزيدونني بطاعتكم ومعصية ربي غير الوقوع في الخسران، وغير التعرض لعذاب الله وسخطه وحاشاى أن أخالف أمر ربي إرضاء لكم.
فالآية الكريمة تصور تصويرا بليغا ما كان عليه صالح- عليه السلام- من إيمان عميق بالله- تعالى-، ومن ثبات على دعوته ومن حرص على طاعته- سبحانه- ثم أرشد صالح- عليه السلام- إلى المعجزة الدالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه فقال:
وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً.. أى: معجزة، واضحة دالة على صدقى وفي إضافة الناقة إلى الله- تعالى- تعظيم لها وتشريف لحالها، وتنبيه على أنها ناقة مخصوصة ليست كغيرها من النوق التي تستعمل في الركوب والنحر وغيرهما. لأن الله- تعالى- قد جعلها معجزة لنبيه صالح- عليه السلام- ولم يجعلها كغيرها.
وقد ذكر بعض المفسرين من صفات هذه الناقة وخصائصها. ما لا يؤيده نقل صحيح، لذا أضربنا عن كل ذلك صفحا، ونكتفي بأن نقول: بأنها كانت ناقة ذات صفات خاصة مميزة، تجعل قوم صالح يعلمون عن طريق هذا التمييز لها عن غيرها أنها معجزة دالة على صدق نبيهم- عليه السلام- فيما يدعوهم إليه.
وقوله: فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ، وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ أمر لهم بعدم التعرض لها بسوء وتحذير لهم من نتائج مخالفة أمره.