التهكم عليه، فكأنهم- قبحهم الله- يقولون له: كيف تأمرنا بترك عبادة الأصنام، وبترك النقص في الكيل والميزان، مع علمك اليقيني بأن هذين الأمرين قد بنينا عليهما حياتنا، ومع زعمك لنا بأنك أنت الحليم الذي يتأنى ويتروى في أحكامه، الرشيد الذي يرشد غيره إلى ما ينفعه؟
إن هذين الوصفين لا يليقان بك، مادمت تأمرنا بذلك، وإنما اللائق بك أضدادهما، أى الجهالة والسفه والعجلة في الأحكام.
قال صاحب الكشاف: وأرادوا بقولهم: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ نسبته إلى غاية السفه والغي، فعكسوا ليتهكموا به، كما يتهكم بالشحيح الذي لا يبض حجره، فيقال له:
لو أبصرك حاتم لسجد لك. وقيل معناه: إنك للمتواصف بالحلم والرشد في قومك. يعنون أن ما تأمر به لا يطابق حالك وما اشتهرت به ... » «١» .
هكذا رد قوم شعيب عليه، وهو رد يحمل السخرية في كل مقطع من مقاطعه، ولكنها سخرية الشخص الذي انطمست بصيرته، وقبحت سريرته!! ومع كل هذه السفاهة ترى شعيبا- عليه السلام- وهو خطيب الأنبياء- يتغاضى عن سفاهاتهم، لأنه يحس بقصورهم وجهلهم، كما يحس بقوة الحق الذي أتاهم به من عند ربه، فيرد عليهم بقوله: قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ... والبينة: ما يتبين به الحق من الباطل، ويتميز به الهدى من الضلال.
أى: قال شعيب لقومه بأسلوب مهذب حكيم: يا قوم أخبرونى إن كنت على حجة واضحة، وبصيرة مستنيرة منحني إياها ربي ومالك أمرى.
وَرَزَقَنِي مِنْهُ- سبحانه-، رِزْقاً حَسَناً يتمثل في النبوة التي كرمني بها، وفي المال الحلال الذي بين يدي، وفي الحياة الطيبة التي أحياها.
وجواب الشرط محذوف والتقدير: أخبرونى إن كنت كذلك، هل يليق بي بعد ذلك أن أخالف أمره مسايرة لأهوائكم؟ كلا إنه لا يليق بي ذلك، وإنما اللائق بي أن أبلغ جميع ما أمرنى بتبليغه دون خوف أو تقصير.
ثم يكشف لهم عن أخلاقه وسلوكه معهم فيقول: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ....
أى: ما أريد بأمرى لكم بعبادة الله وحده، وبنهيى إياكم عن التطفيف والبخس، مجرد