كما قال جل ثناؤه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ ثم قال وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فخرج الكلام مخرج الأمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم والنهى له. والمراد به أصحابه المؤمنون به «١» .
- ثم قال تعالى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ.
أى: ولكل أهل ملة فبلة يتجهون إليها في عباداتهم، فسارعوا أنتم جهدكم إلى ما اختاره الله لكم من الأعمال التي تكسبكم سعادة الدارين، والتي من جملتها التوجه إلى البيت الحرام.
ثم ساق الله- تعالى- وعدا لمن يطيع أمره، ووعيدا لمن ينصرف عن الخير. فقال- تعالى-: يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً.
أى: في أى بقعة يدرككم الأجل، وتموتون فيها، يجمعكم الله- تعالى- يوم القيامة.
لتقفوا بين يديه للحساب، لأنه- سبحانه- قادر على جمعكم بعد مماتكم من قبوركم حيث كنتم، وإن تفرقت أجسادكم وأبدانكم، كما أنه- سبحانه- قدير على كل شيء، ومادام الأمر كذلك، فبادروا بالأعمال الصالحة شكرا لربكم، وحافظوا على قبلتكم، حتى لا تضلوا كما ضل اليهود ومن على طريقتهم في الكفر والعناد.
ثم أكد- سبحانه- حكم التحويل، وبين عدم تفاوت الأمر باستقبال المسجد الحرام في حالتي السفر أو الحضر. فقال- تعالى-: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ...
أى: ومن أى موضع خرجت وإلى أى مكان آخر سرت، فول- يا محمد- وجهك عند صلاتك إلى المسجد الحرام، وإن هذا التوجه شطره لهو الحق الذي لا شك فيه عند ربك، فحافظوا على ذلك أيها المؤمنون وأطيعوا الله- تعالى- في كل ما يأمركم به، ويتهاكم عنه، لأنه- سبحانه- ليس بساه عن أعمالكم، ولا بغافل عنها، ولكنه محصيها عليكم، وسيجازيكم الجزاء الذي تستحقونه عليها يوم القيامة.
ثم كرر- سبحانه- الأمر للمؤمنين بأن يتجهوا في صلاتهم إلى المسجد الحرام فقال: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.
أى: ومن أى مكان خرجت- يا محمد- فول وجهك تلقاء المسجد الحرام، وأينما كنتم أيها المؤمنون من أرض الله، فولوا وجوهكم في صلاتكم تجاهه ونحوه.
(١) تفسير ابن جرير ج ٢ ص ٢٧.