للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتلك هي المرة الثالثة التي تكرر فيها الأمر للمؤمنين بالتوجه إلى المسجد الحرام في صلاتهم، وهذا التكرير لتأكيد أمر القبلة وتشديده لأن تحول القبلة كان أول نسخ في الإسلام- كما قال كثير من العلماء- فاقتضى الأمر تأكيده في نفوس المؤمنين حتى يستقر في مشاعرهم، ويذهب ما يثار حولها من شبهات أدراج الرياح، ولأن الله- تعالى- أناط بكل واحد من هذه الأوامر الثلاثة بالتحول ما لم ينط بالآخر من أحكام فاختلفت فوائدها، فكأنه- سبحانه- يقول لنبيه- صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين.

الزموا هذه القبلة لأنها هي القبلة التي ترضونها وترغبون فيها وطالما تمنيتموها، والزموها- أيضا- لأنها هي القبلة التي لن تنسخ بعد ذلك.

والزموها- كذلك- لأن لزومكم إياها يقطع حجة اليهود الجاحدين، وغيرهم من المعاندين والخاسرين.

وقد اقترن هذا الأمر الثالث بالتوجه إلى المسجد الحرام في هذه الآية الكريمة بحكم ثلاث.

أولها: قوله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي والمراد من الناس اليهود ومن لف لفهم من المناوئين للدعوة الإسلامية.

والمعنى عليك- أيها النبي- ومن معك من المؤمنين أن تتجهوا في صلاتكم إلى الكعبة المشرفة، لكي تقطعوا دابر فتنة اليهود وحجتهم فقد قالوا لكم وقت اتجاهكم إلى بيت المقدس.

إذا كان لكم أيها المسلمون دين يخالف ديننا فلماذا تتجهون إلى قبلتنا، إلى غير ذلك من أقوالهم الفاسدة فاتجاهكم إلى المسجد الحرام من شأنه أن يزيل هذه الحجة التي قد تبدو مقبولة في نظر ضعاف العقول.

وقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا استثناء من الناس، والمعنى:

لئلا يكون لأحد من اليهود حجة عليكم، إلا المعاندين منهم القائلين: ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا حبا لدين قومه، واشتياقا لمكة، وهؤلاء لا تخافون مطاعنهم بل اجعلوا خوفكم منى وحدي ولا تقيموا لما يشاغبون به في أمر القبلة وغيره وزنا، فإنى كفيل أن أرد عنكم كيدهم وأحبط سعيهم، فأنتم، أيها المؤمنون- ما توجهتم إلى بيت المقدس ثم إلى المسجد الحرام إلا بإذن ربكم وأمره، ففي الحالتين أنتم مطيعون لخالقكم- عز وجل-.

وقد أحسن صاحب الكشاف في شرحه للجملة الكريمة، وصرح بأنه يجوز أن يراد بالناس وبالذين ظلموا مشركو العرب فقال:

إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا استثناء من الناس، ومعناه: لئلا يكون حجة لأحد من اليهود إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>