للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الجملة الكريمة وهي قوله- تعالى-: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ.. إلخ وصف كريم لأولئك الصابرين، لأنها أفادت أن صبرهم أكمل الصبر، إذ هو صبر مقترن ببصيرة مستنيرة جعلتهم يقرون عن عقيدة صادقة أنهم ملك لله يتصرف فيهم كيف يشاء، ومن ربط نفسه بعقيدة أنه ملك لله وأن المرجع إليه، يكون بذلك قد هيأها للصبر الجميل عند كل مصيبة تفاجئه.

قال القرطبي: جعل الله هذه الكلمات وهي قوله- تعالى-: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ملجأ لذوي المصائب، وعصمة للممتحنين، لما جمعت من المعاني المباركة، فإن قوله «إنا لله» توحيد واقرار بالعبودية والملك وقوله وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إقرار بالهلك على أنفسنا والبعث من قبورنا، واليقين أن رجوع الأمر كله إليه كما هو له. قال سعيد بن جبير: لم تعط هذه الكلمات نبيا قبل نبينا، ولو عرفها يعقوب لما قال: يا أسفى على يوسف» «١» .

هذا، ولا يتنافى مع الصبر ما يكون من الحزن عند حصول المصيبة، فقد ورد في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بكى عند موت ابنه إبراهيم وقال: العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» .

وإنما الذي ينافيه ويؤاخذ الإنسان عليه، الجزع المفضى إلى إنكار حكمة الله فيما نزل به من بأساء أو ضراء، أو إلى فعل ما حرمه الإسلام من نحو النياحة وشق الجيوب، ولطم الخدود.

ثم بين- سبحانه- ما أعده للصابرين من أجر جزيل فقال: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.

أُولئِكَ اسم اشارة، أتى به- سبحانه- للتنبيه على أن المشار إليه هم الموصوفون بجميع الصفات السابقة على اسم الإشارة، وأن الحكم الذي ورد بعد مترتب على هذه الأوصاف.

والصلوات جمع صلاة. وصلاة الله على عباده إقباله عليهم. بالثناء والعطف والمغفرة.

وجمعت مراعاة لكثرة ما يترتب عليها من أنواع الخيرات في الدنيا والآخرة.

الرحمة كما هو مذهب السلف- صفة قائمة بذاته- تعالى- لا نعرف حقيقتها وإنما نعرف أثرها الذي هو الإحسان.

وعطف- سبحانه- الرحمة على الصلوات ليدل على أن بعد ذلك الإقبال منه على عباده إنعاما واسعا، وعطاء جزيلا في الدنيا والآخرة.


(١) تفسير القرطبي ج ٢ ص ١٧٦ طبعة دار الكتب الطبعة الثانية سنة ١٣٧٣ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>