وجاءت الرحمة مفردة على أصل المصادر وهو الإفراد، والمقام في الآية يذهب بذهن السامع إلى كثرة الإنعام المترتب على الصبر الجميل.
والجملة أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ استئنافية جواب عن سؤال تقديره: بماذا بشر الله الصابرين؟ فكان الجواب: أولئك عليهم صلوات ... إلخ.
والمعنى: أولئك الصابرون المحتسبون الموصوفون بتلك الصفات الكريمة، عليهم مغفرة عظيمة من خالقهم، وإحسان منه- سبحانه- يشملهم في دنياهم وآخرتهم وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ لطريق الصواب بالتسليم وقت صدمة المصيبة دون غيرهم ممن جزعوا عند صدمتها، حتى صدر عنهم ما لم يأذن به الله.
هذا، وفي فضل الصبر والصابرين وردت آيات كثيرة، وأحاديث متعددة أما الآيات فيزيد عددها في القرآن على سبعين آية منها قوله- تعالى-: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وقوله وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وقوله: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وقوله: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الأحاديث فمنها ما جاء في صحيح مسلّم عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرنى في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها. قالت: فلما توفى أبو سلمة قلت: من خير من أبى سلمة: صاحب رسول الله؟ ثم عزم الله لي فقلتها: قالت: فتزوجني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ومنها ما رواه الإمام أحمد بسنده عن أبى سنان قال: دفنت ابنا لي. وإنى لفي القبر أخذ بيدي أبو طلحة «يعنى الخولاني» فأخرجنى وقال: ألا أبشرك؟ قال قلت: بلى. قال: حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عوزب عن أبى موسى الأشعرى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال الله- تعالى-: يا ملك الموت، قبضت ولد عبدى، قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده؟ قال: نعم.
قال فماذا قال؟ قال حمدك واسترجع. قال الله- تعالى-: ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد.
ومنها ما رواه الشيخان عن أبى سعيد وأبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ما يصيب المسلّم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.