للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللعنة المستمرة من الله والطرد من رحمته، وعليهم كذلك اللعنة الدائمة من الملائكة والناس أجمعين عن طريق الدعاء عليهم بالإبعاد من رحمة الله.

وعبر عن أصحاب ذلك الكتمان بالذين كفروا، ليحضرهم في الأذهان بأشنع وصف وهو الكفر، وليتناول الوعيد الذي اشتملت عليه الآية الكريمة كل كافر ولو بغير معصية الكتمان.

وجملة وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ حالية، وأَجْمَعِينَ تأكيد بالنسبة إلى الكل لا للناس فقط.

والمراد بالناس جميعهم مؤمنهم وكافرهم، إذ الكفار يلعن بعضهم بعضا يوم القيامة كما جاء في قوله- تعالى-: يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً. وقيل المراد بهم المؤمنون خاصة لأنهم هم الذين يعتد بلعنهم.

وقوله: خالِدِينَ فِيها الخلود البقاء إلى غير نهاية، ويستعمل بمعنى البقاء مدة طويلة. وإذا وصف به عذاب الكافر أريد به المعنى الأول، أى: البقاء إلى غير نهاية والظاهر أن الضمير في قوله فِيها يعود إلى اللعنة لأنها هي المذكورة في الجملة. وقيل إنه يعود إلى النار لأن اللعن إبعاد من الرحمة وإيجاب للعقاب والعقاب يكون في النار. وقوله لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ أى: أن المقدار الذي استحقوه من العذاب لا يتفاوت بحسب الأوقات شدة وضعفا، وإنما هم في عذاب سرمدي أليم، كما قال- تعالى-: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ. لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ والزيادة في قوله- تعالى- فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً حملها بعض العلماء على معنى استمرار العذاب، فهي إشارة إلى الخلود فيه لا إلى الزيادة في شدته.

وقوله: خالِدِينَ فِيها إشارة إلى دوام العذاب وعدم انقطاعه. وقوله: لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ إشارة إلى كيفيته وشدته.

وقوله: وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ أى: لا يمهلون ولا يؤخرون من العذاب كما كانوا يمهلون في الدنيا. من الإنظار بمعنى التأخير والإمهال. أو من النظر بمعنى الانتظار يقال: نظرته وانتظرته، أى: أخرته وأمهلته ومنه قوله- تعالى-: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ.

أو من النظر بمعنى الرؤية، أى: لا ينظر الله إليهم نظر رحمة ورضا ولطف كما ينظر إلى عباده الصالحين، لأنهم بكتمانهم للحق، وكفرهم بالله، استحقوا ما استحقوا من العذاب المهين.

ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

وبذلك تكون الآيات الكريمة قد حذرت الناس بأسلوب تأديبي حكيم من كتمان الحق، ومن الكفر بالله، وفتحت أمامهم باب التوبة ليدخلوه بصادق النية، وصالح العمل، وتوعدت من يستمر في ضلاله وطغيانه بأقسى أنواع العذاب، وأغلظ ألوانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>