للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمعنى: عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد، فالترغيب والوعد، أن يذكرهم بنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل ... والترهيب والوعيد. أن يذكرهم بأس الله وعذابه وانتقامه، ممن كذب الرسل من الأمم السالفة ...

ثم قال: واعلم أن أيام الله في حق موسى- عليه السلام- منها ما كان أيام المحنة والبلاء، وهي الأيام التي كانت بنو إسرائيل فيها تحت قهر فرعون، ومنها ما كان أيام الراحة والنعماء مثل إنزال المن والسلوى عليهم ... » «١» .

وقال الآلوسى: «قوله: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ أى: بنعمائه وبلائه، كما روى عن ابن عباس- رضى الله عنهما- واختاره الطبري، لأنه الأنسب بالمقام والأوفق بما سيأتى من الكلام» «٢» .

وما ذهب إليه الإمامان الرازي والآلوسي، هو الذي تسكن إليه النفس، لأن الأيام كلها وإن كانت لله، إلا أن المراد بها هنا أيام معينة، وهي التي برزت فيها السراء أو الضراء بروزا ظاهرا، كانت له آثاره على الناس الذين عاشوا في تلك الأيام.

وبنو إسرائيل- على سبيل المثال- مرت عليهم في تاريخهم الطويل، أيام غمروا فيها بالنعم، وأيام أصيبوا فيها بالنقم.

فالمعنى: ذكر يا موسى قومك بنعم الله لمن آمن وشكر، وبنقمه على من جحد وكفر، لعل هذا التذكير يجعلهم يثوبون إلى رشدهم، ويتبعونك فيما تدعوهم إليه.

واسم الإشارة في قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ يعود على التذكير بأيام الله.

والصبار: الكثير الصبر على البلاء، والصبر حبس النفس على ما يقتضيه الشرع فعلا أو تركا. يقال: صبره عن كذا يصبره إذا حبسه.

والشكور: الكثير الشكر لله- تعالى- على نعمه، والشكر: عرفان الإحسان ونشره والتحدث به، وأصله من شكرت الناقة- كفرح- إذا امتلأ ضرعها باللبن، ومنه أشكر الضرع إذا امتلأ باللبن.

أى: إن في ذلك التذكير بنعم الله ونقمه، لآيات واضحات، ودلائل بينات على وحدانية


(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٩ ص ٨٤.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>