الله- تعالى- وقدرته وعلمه، وحكمته، لكل إنسان كثير الصبر على البلاء، وكثير الشكر على النعماء.
وتخصيص الآيات بالصبار والشكور لأنهما هما المنتفعان بها وبما تدل عليه من دلائل على وحدانية الله وقدرته، لا لأنها خافية على غيرهما، فإن الدلائل على ذلك واضحة لجميع الناس.
وجمع- سبحانه- بينهما، للإشارة إلى أن المؤمن الصادق لا يخلو حاله عن هذين الأمرين ففي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أمر المؤمن كله عجب، لا يقضى الله له قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له» «١» .
وقدم- سبحانه- صفة الصبر على صفة الشكر، لما أن الصبر مفتاح الفرج المقتضى للشكر، أو لأن الصبر من قبيل الترك، والتخلية مقدمة على التحلية.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن موسى- عليه السلام- قد امتثل أمر ربه فقال:
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ، وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ ...
و «إذ» ظرف لما مضى من الزمان، وهو متعلق بمحذوف تقديره اذكر.
والمراد بقوله: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: تنبهوا بعقولكم وقلوبكم لتلك المنن التي امتن الله بها عليكم، وقوموا بحقوقها، وأكثروا من الحديث عنها بألسنتكم. فإن التحدث بنعم الله فيه إغراء بشكرها.
«آل فرعون» حاشيته وخاصته من قومه. وفرعون: لقب لملك مصر في ذلك الوقت، كما يقال لملك الروم قيصر ...
ويسومونكم من السوم وهو مطلق الذهاب أو الذهاب في ابتغاء الشيء، يقال: سامت الإبل فهي سائمة. أى: ذهبت في المرعى، وسام السلعة: إذا طلبها وابتغاها.
وسامه خسفا، إذا أذله واحتقره وكلفه فوق طاقته.
وسُوءَ الْعَذابِ أشده. والسوء- بالضم- كل ما يدخل الحزن والغم على نفس الإنسان. وهو في الأصل مصدر، ويؤنث بالألف فيقال السوأى.
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٩٨.