الإيجاد والإبداع والخلق لاقتضائه التركيب الذي سبيله الشق والتأليف، أو لما فيه من الإخراج من العدم إلى الوجود.
والمعنى: قال الرسل لأقوامهم على سبيل الإنكار والتعجب من أقوالهم الباطلة: أفي وجود الله- تعالى- وفي وجوب إخلاص العبادة له شك، مع أنه- سبحانه- هو فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى خالقهما ومبدعهما ومبدع ما فيهما على أحكم نظام، وعلى غير مثال سابق ... وهو- سبحانه- فضلا منه وكرما «يدعوكم» إلى الإيمان بما جئناكم به من لدنه «ليغفر لكم» بسبب هذا الإيمان «من ذنوبكم ويؤخركم» في هذه الدنيا «إلى أجل مسمى» أى: إلى وقت معلوم عنده تنتهي بانتهائه أعماركم، دون أن يعاجلكم خلال حياتكم بعذاب الاستئصال «رحمة بكم» وأملا في هدايتكم.
فأنت ترى أن الرسل الكرام قد أنكروا على أقوامهم أن يصل بهم انطماس البصيرة إلى الدرجة التي تجعلهم ينكرون وجود الله مع أن الفطر شاهدة بوجوده، وينكرون وحدانيته مع أنه وحده الخالق لكل شيء، ويشركون معه في العبادة آلهة أخرى، مع أن هذه الآلهة لا تضر ولا تنفع.
وجملة فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جيء بها كدليل على نفى الشك في وجوده- سبحانه- وفي وجوب إخلاص العبادة له، لأن وجودهما على هذا النسق البديع يدل دلالة قاطعة على أن لهما خالقا قادرا حكيما، لاستحالة صدور تلك المخلوقات من غير فاعل مختار.
وجملة «يدعوكم ... » حال من اسم الجلالة، واللام في قوله «ليغفر لكم من ذنوبكم» متعلقة بالدعاء.
أى: يدعوكم إلى الإيمان بنا لكي يغفر لكم.
قال الشوكانى ما ملخصه:«ومن» في قوله «من ذنوبكم» قال أبو عبيدة: إنها زائدة، ووجه ذلك قوله- تعالى- في موضع آخر: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً وقال سيبويه:
هي للتبعيض، ويجوز أن يذكر البعض ويراد منه الجميع، وقيل التبعيض على حقيقته ولا يلزم من غفران الذنوب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم غفران جميعها لغيرهم ...
وقيل هي للبدل، أى: لتكون المغفرة بدلا من الذنوب ... «١» .
وقال الجمل:«ويحتمل أن يضمن «ويغفر» معنى يخلص أى: يخلصكم من ذنوبكم،