للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكونوا بالغيه إلا بنقص من القوة وذهاب شق منها ... » «١» .

والمعنى: ومن فوائد هذه الأنعام- أيضا- أنها تحمل أمتعتكم وأثقالكم من بلد إلى بلد آخر بعيد، هذا البلد الآخر البعيد. لم تكونوا واصلين إليه بدونها، إلا بعد تعب شديد، وجهد مضن، وكلفة يذهب معها نصف قوتكم.

والتنكير في «بلد» لإفادة معنى البعد، لأن بلوغ المسافر إليه بمشقة، هو من شأن البلد البعيد، الذي يصعب الوصول إليه بدون راحلة.

وجملة «لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس» التي هي صفة لبلد، تشير إلى هذا المعنى.

وشبيه بهذه الآية قوله تعالى-: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ «٢» .

وقوله- سبحانه-: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ. وَذَلَّلْناها لَهُمْ، فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ «٣» .

وجملة «إن ربكم لرءوف رحيم» تعليل لخلقه- سبحانه- الأنعام لخدمة الإنسان.

أى: خلق لكم هذه الأنعام لأنه رءوف رحيم بكم، حيث لم يترككم تحملون أثقالكم بأنفسكم، وتقطعون المسافات الطويلة على أرجلكم، بل أوجد هذه الأنعام لمنافعكم ومصالحكم. ثم ذكر- سبحانه- أنواعا أخرى من الحيوان المنتفع به، فقال- تعالى-:

وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً، وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ.

قال الجمل: «الخيل اسم جنس لا واحد له من لفظه، بل من معناه وهو فرس. وسميت خيلا لاختيالها في مشيها. والبغال جمع بغل: وهو المتولد بين الخيل والحمير..» «٤» .

واللام في قوله «لتركبوها» للتعليل.

ولفظ «وزينة» مفعول لأجله، معطوف على محل «لتركبوها» .

والزينة: اسم لما يتزين به الإنسان.

قال القرطبي: «هذا الجمال والتزيين وإن كان من متاع الدنيا، إلا أن الله تعالى- أذن به


(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٧١.
(٢) سورة غافر الآيتان ٧٩، ٨٠.
(٣) سورة يس. الآيتان ٧١، ٧٢.
(٤) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>