أى: ولله- سبحانه- وحده علم جميع ما غاب في السموات والأرض من أشياء، وما أمر قيام الساعة في سرعته وسهولته، وما يترتب عليه من إماتة وإحياء، وحساب، وثواب وعقاب ... ما أمر ذلك كله إلا كتحرك طرف العين من جهة إلى جهة، أو هو- أى أمر قيامها- أقرب من ذلك وأسرع، بحيث يكون في نصف هذا الزمان أو أقل من ذلك، لأن قدرته لا يعجزها شيء، قال- تعالى-: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. والمقصود من هذه الجملة الكريمة: بيان سرعة تأثير قدرة الله- عز وجل- متى توجهت إلى شيء من الأشياء.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يؤكد شمول قدرته فقال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أى: إن الله- تعالى- لا يعجز قدرته شيء سواء أكان هذا الشيء يتعلق بأمر قيام الساعة في أسرع من لمح البصر.. أم بغير ذلك من الأشياء.
ثم ساق- تعالى- بعد ذلك أنواعا من نعمه على عباده فقال: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً. أى: والله- تعالى- وحده هو الذي أخرجكم- أيها الناس- من بطون أمهاتكم إلى هذه الحياة، وأنتم لا تعلمون شيئا لا من العلم الدنيوي ولا من العلم الديني، ولا تعرفون ما يضركم أو ينفعكم، والجملة الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ...
وجملة «لا تعلمون شيئا» حال من الكاف في «أخرجكم» .
وقوله- سبحانه- وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمة ثانية من نعمة الله- سبحانه- التي لا تحصى.
أى: أن من نعمة الله- تعالى- أنه أخرجكم من بطون أمهاتكم- بعد أن مكثتم فيها شهورا تحت كلاءته ورعايته- وأنتم لا تعرفون شيئا، وركب فيكم بقدرته النافذة، وحكمته البالغة، «السمع» الذي تسمعون به، والبصر الذي بواسطته تبصرون، «والأفئدة» التي عن طريقها تعقلون وتفقهون، لعلكم بسبب كل هذه النعم التي أنعمها عليكم، تشكرونه حق الشكر، بأن تخلصوا له العبادة والطاعة، وتستعملوا نعمه في مواضعها التي وجدت من أجلها.
قال الجمل: وجملة: «وجعل لكم السمع والأبصار ... » ابتدائية، أو معطوفة على ما قبلها، والواو لا تقتضي ترتيبا، فلا ينافي أن هذا الجعل قبل الإخراج من البطون. ونكتة تأخيره- أى الجعل- أن السمع ونحوه من آلات الإدراك، إنما يعتد به إذا أحس الإنسان