للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأدرك وذلك لا يكون الا بعد الإخراج. وقدم السمع على البصر، لأنه طريق تلقى الوحى، أو لأن إدراكه أقدم، من إدراك البصر. وإفراده- أى السمع- باعتبار كونه مصدرا في الأصل ... «١» .

وقال الإمام ابن كثير: «وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلا قليلا حتى يبلغ أشده. وإنما جعل- تعالى- هذه الحواس في الإنسان ليتمكن بها من عبادة ربه، فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه كما جاء في صحيح البخاري عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول تعالى- «من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب.

وما تقرب إلى عبدى بشيء أفضل مما افترضت عليه، ولا يزال عبدى يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، ولئن سألنى لأعطينه، ولئن دعاني لأجيبنه ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددى في قبض نفس عبدى المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته، ولا بد له منه» .

فمعنى الحديث أن العبد إذا أخلص الطاعة، صارت أفعاله كلها لله، فلا يسمع إلا لله، ولا يبصر إلا لله أى: لما شرعه الله له.. «٢» .

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ «٣» .

ثم حض- سبحانه- عباده على التفكر في مظاهر قدرته فقال- تعالى-: أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ...

والطير: جمع طائر كركب وراكب. و «مسخرات» من التسخير بمعنى التذليل والانقياد أى: ألم ينظر هؤلاء الذين أشركوا مع الله آلهة أخرى في العبادة، إلى الطيور وهن يسبحن في الهواء المتباعد بين الأرض والسماء، ما يمسكهن في حال قبضهن وبسطهن لأجنحتهن إلا الله- تعالى-، بقدرته الباهرة، وبنواميسه التي أودعها في فطرة الطير.

إنهم لو نظروا نظر تأمل وتعقل، لعلموا أن المسخر لهن هو الله الذي لا معبود بحق سواه


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٨٩.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٧٩. [.....]
(٣) سورة الملك الآية ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>