المفضى بهم إلى النار، بحالة من يأكل النار نفسها. ووجه الشبه بين الحالتين: أنه يترتب على أكل ذلك المال الحرام من تقطيع الأمعاء وشدة الألم، ما يترب على أكل النار ذاتها، إلا أن العذاب الحاصل من أكل النار يقع عند ما تمتلئ منها بطونهم، والعذاب الحاصل من أكل المال الحرام يقع عند لقاء جزائه وهو الإحراق بالنار.
وجيء باسم الإشارة في أول هذه الجملة لتمييز أولئك الكاتمين أكمل تمييز حتى لا يخفى أمرهم على أحد، وللتنبيه على أن ما ذكر بعد اسم الإشارة من عقوبات سببه ما فعلوه قبل ذلك من سيئات.
وخص- سبحانه- بالذكر الأكل في بطونهم من بين وجوه انتفاعهم بما يأخذونه من مال حرام، للإشعار بسقوط همتهم ودناءة نفوسهم حتى إنهم ليخفون ما أمر الله بإظهاره من حقائق وهدايات، نظير ملء بطونهم.
وقوله: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أى: لا يكلمهم كلاما تطمئن به نفوسهم، وتنشرح له صدورهم وإنما يكلمهم بما يخزيهم ويفجعهم بسبب سوء أعمالهم كقوله- لهم: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ. أو أن نفى تكليمه لهم كتابة عن غضبه عليهم، لأن من عادة الملوك أنهم عند الغضب يعرضون عن المغضوب عليه ولا يكلمونه، كما أنهم عند الرضا يقبلون عليه بالوجه والحديث.
وقوله: وَلا يُزَكِّيهِمْ أى: ولا يطهرهم من دنس الكفر والذنوب بالمغفرة، من التزكية بمعنى التطهير. يقال: زكاه الله، أى: طهره وأصلحه.
وتستعمل التزكية بمعنى الثناء، ومنه زكى الرجل صاحبه إذا وصفه بالأوصاف المحمودة وأثنى عليه، فيكون معنى وَلا يُزَكِّيهِمْ لا يثنى عليهم- سبحانه- ومن لا يثنى عليه الله فهو معذب.
فهؤلاء الذين كتموا الحق نظير شيء قليل من حطام الدنيا، فقدوا رضا الله عنهم وثناءه عليهم وتطهيره لهم.
ثم ختم- سبحانه- الآية ببيان سوء منقلبهم، وشدة ألم العذاب الذي ينالهم فقال- تعالى- وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أى. موجع مؤلم.
قال الآلوسى: وقد جاءت هذه الأخبار مرتبة بحسب المعنى، لأنه لما ذكر- سبحانه- اشتراءهم بذلك- الثمن القليل- وكان كناية عن مطاعمهم الخبيثة الفانية، بدأ أولا في الخبر بقوله: ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ. وابتنى على كتمانهم واشترائهم بما أنزل الله ثمنا