للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثواب، ومن العبد الطاعة» «١» .

وتولية الوجوه قبل الشيء معناه: التوجه إليه بجعل الوجه متجها إلى جهته فلفظ «قيل» بمعنى جهة وهو منصوب على الظرفية المكانية.

والْمَشْرِقِ: الجهة التي تشرق منها الشمس، والمغرب: الجهة التي تغرب فيها.

قال الإمام الرازي: اختلف العلماء في أن هذا الخطاب عام أو خاص. فقال بعضهم: أراد بقوله: لَيْسَ الْبِرَّ أهل الكتاب لما شددوا في الثبات على التوجه نحو بيت المقدس فقال- تعالى- ليس البر هذه الطريقة ولكن البر من آمن بالله. وقال بعضهم: بل المراد مخاطبته المؤمنين لما ظنوا أنهم قد نالوا البغية بالتوجه إلى الكعبة من حيث كانوا يحبون ذلك فخوطبوا بهذا الكلام وقال بعضهم: بل هو خطاب للكل، لأن عند نسخ القبلة وتحويلها حصل من المؤمنين الاغتباط بهذه القبلة، وحصل منهم التشدد في تلك القبلة حتى ظنوا أنه الفرض الأكبر في الدين، فبعثهم الله- تعالى- بهذا الخطاب على استيفاء جميع العبادات والطاعات، وبين أن البر ليس بأن تولوا وجوهكم شرقا وغربا، وإنما البر. كيت وكيت. وهذا أشبه بالظاهر إذ لا تخصيص فيه، فكأنه- تعالى- قال: ليس البر المطلوب هو أمر القبلة، بل البر المطلوب هو هذه الخصال التي عدها» «٢» .

وهذا القول الثالث- الذي يرى أصحابه أن الخطاب للكل، والذي قال عنه الإمام الرازي: هذا أشبه بالظاهر- هذا القول، هو الذي تسكن إليه النفس لأنه لا يوجد نص صحيح يخصص الخطاب لطائفة معينة من الناس ولأن المقصود من الآية الكريمة إنما هو إفهام الناس في كل زمان ومكان أن مجرد تولية الوجه إلى قبلة مخصوصة ليس هو البر الكامل الذي يعنيه الإسلام، وإنما البر الكامل يتأنى في استجابة الإنسان لتلك الخصال الشريفة التي اشتملت عليها الآية، تلك الخصال التي تجعل المستمسكين بها على صلة طيبة بخالقهم وعلى صلة طيبة بغيرهم، - كما سنبين ذلك عند تعليقنا على هذه الآية الكريمة-.

والمعنى: ليس البر- الذي هو كل طاعة يتقرب بها الإنسان إلى خالقه- في تولية الوجه عند الصلاة إلى جهة المشرق والمغرب، وإنما البر الذي يجب الاهتمام به لأنه يؤدى إلى السعادة والفلاح- يكون في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وفي انفاق المال في وجوه الخير، وفي اتباع ما ذكرته الآية الكريمة من خصال جليلة.

هذا وقد قرأ حمزة وحفص عن عاصم لَيْسَ الْبِرَّ بنصب البر على أنه خبر ليس، واسمها


(١) المفردات في غريب القرآن ص ٤٠ للراغب الأصفهاني.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>