للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله- سبحانه-: فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً

بيان لما نزل بهذه القرية وأهلها من عذاب محاها من الوجود، إذ التدمير هو الإهلاك مع طمس الأثر، وهدم البناء.

أى: أمرنا مترفيها بطاعتنا وشكرنا، فعصوا أمرنا وفسقوا فيها، فثبت وتحقق عليها عذابنا، فأهلكناها إهلاكا استأصل شأفتها، وأزال آثارها.

وأكد- سبحانه- فعل التدمير بمصدره، للمبالغة في إبراز شدة الهلاك الواقع على تلك القرية الظالم أهلها.

قال الآلوسى ما ملخصه: والآية تدل على إهلاك أهل القرية على أتم وجه، وإهلاك جميعهم، لصدور الفسق منهم جميعا، فإن غير المترف يتبع المترف عادة ...

وقيل: هلاك الجميع لا يتوقف على التبعية فقد قال- تعالى-: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً....

وقد صح عن أم المؤمنين زينب بنت جحش أنها قالت: قلت، يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث «١» .

ثم بين- سبحانه- أن هذه القرية لم تكن بدعا في نزول العذاب بها، بل هناك قرى كثيرة عتت عن أمر ربها فأخذها- سبحانه- أخذ عزيز مقتدر، فقال- تعالى-: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ....

وكَمْ هنا خبرية أى: أن معناها الإخبار عن عدد كثير، وهي في محل نصب مفعول به لجملة أَهْلَكْنا و «من» في قوله- تعالى-: مِنَ الْقُرُونِ بيان للفظ كَمْ وتمييز له كما يميز العدد بالجنس. وأما «من» في قوله- تعالى-: مِنْ بَعْدِ نُوحٍ فهي لابتداء الغاية.

والقرون: جمع قرن، ويطلق على القوم المقترنين في زمان واحد. والمشهور أن مدته مائة سنة.

أى: أن هذه القرية المدمرة بسبب فسوق أهلها، وعصيانهم لأمرنا، ليست هي القرية الوحيدة التي نزل بها عذابنا، بل إننا قد أهلكنا كثيرا من القرى من بعد زمن نوح- عليه السلام- كقوم عاد وثمود وغيرهم ممن استحبوا العمى على الهدى، وآثروا الكفر على الإيمان والغي على الرشد.


(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>