للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخص نوح- عليه السلام- بالذكر، لأنه أول رسول كذبه قومه وآذوه وسخروا منه..

فأهلكهم الله- تعالى- بالطوفان.

قال ابن كثير: ودل هذا على أن القرون التي كانت بين آدم ونوح على الإسلام، كما قاله ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام «١» .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالتهديد الشديد لمن يخالف أمره فقال- تعالى-:

وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً.

أى: وكفى بربك- أيها الرسول الكريم- إحاطة واطلاعا وعلما بما يقدمه الناس من خير أو شر، فإنه- سبحانه- يعلم السر وأخفى.

والآية الكريمة بجانب أنها تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم فهي- أيضا- تهديد للمشركين، وإنذار لهم بأنهم إذا ما استمروا على كفرهم، ومعاداتهم للحق، وتطاولهم على من جاء به وهو الرسول صلى الله عليه وسلم فسيكونون محلا لغضب الله- تعالى- وسخطه، ولنزول عذابه الذي أهلك به أمثالهم في الشرك والكفر والجحود.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها «٢» .

وقوله- تعالى-: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ «٣» .

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك مصير الذين يؤثرون العاجلة على الآجلة، فقال- تعالى-: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ.

والمراد بالعاجلة: دار الدنيا، وهي صفة لموصوف محذوف أى: الدار العاجلة التي ينتهى كل شيء فيها بسرعة وعجلة.

أى: من كان يريد بقوله وعمله وسعيه، زينة الدار العاجلة وشهواتها فحسب، دون التفات إلى ثواب الدار الآخرة، عَجَّلْنا لَهُ فِيها أى: عجلنا لذلك الإنسان في هذه الدنيا، ما نَشاءُ تعجيله له من زينتها ومتعها..


(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٥٩.
(٢) سورة محمد الآية ١٠.
(٣) سورة ق الآية ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>