وهذا العطاء العاجل المقيد بمشيئتنا ليس لكل الناس، وإنما هو لِمَنْ نُرِيدُ عطاءه منهم، بمقتضى حكمتنا وإرادتنا.
فأنت ترى أنه- سبحانه- قد قيد العطاء لمن يريد العاجلة بمشيئته وإرادته.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: «من كانت العاجلة همه، ولم يرد غيرها كالكفرة وأكثر الفسقة، تفضلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد. فقيد الأمر تقييدين: أحدهما: تقييد المعجل بمشيئته، والثاني: تقييد المعجل له بإرادته.
وهكذا الحال، ترى كثيرا من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضا منه، وكثيرا منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموا فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة وأما المؤمن التقى فقد اختار مراده، وهو غنى الآخرة فما يبالى أوتى حظا من الدنيا أو لم يؤت. فإن أوتى فبها شكر، وإن لم يؤت صبر، فربما كان الفقر خيرا له، وأعون على مراده.
وقوله لِمَنْ نُرِيدُ بدل من لَهُ وهو بدل البعض من الكل، لأن الضمير يرجع إلى من وهو في معنى الكثرة «١» ومفعول نريد محذوف. أى: لمن نريد عطاءه.
وقوله: ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً بيان لسوء مصير هذا المريد للعاجلة في الآخرة.
ويَصْلاها أى: يلقى فيها ويذوق حرها وسعيرها: يقال: صليت الشاة: شويتها.
وصلى فلان بالنار- من باب تعب- إذا وجد حرها.
ومَذْمُوماً من الذم الذي هو ضد المدح.
ومَدْحُوراً من الدحور بمعنى الطرد واللعن. يقال: دحره دحرا ودحورا، إذا طرده وأبعده.
أى: من كان يريد بسعيه الدنيا وزينتها أعطيناه منها ما نشاء إعطاءه له، أما في الآخرة فقد جعلنا له جهنم يدخلها، ويصلى حرها ولهيبها، حالة كونه «مذموما» أى مبغوضا بسبب سوء صنيعه، «مدحورا» أى: مطرودا ومبعدا من رحمة الله- تعالى-.
قال الإمام الرازي ما ملخصه: وفي لفظ هذه الآية فوائد: منها: أن العقاب عبارة عن مضرة مقرونة بالإهانة والذم، بشرط أن تكون دائمة وخالية عن شوب المنفعة فقوله: ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها إشارة إلى المضرة العظيمة. وقوله مَذْمُوماً إشارة إلى الإهانة
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٤٣.