السعيدة في الدنيا، وإلى رضا الله- تعالى- في الآخرة، وذلك لأنها قد أرشدت إلى أن البر أنواع ثلاثة جامعة لكل خير: بر في العقيدة، وبر في العمل، وبر في الخلق.
أما بر العقيدة فقد بينته أكمل بيان في قوله- تعالى-: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ.
فقد جمعت في هذه الجملة الكريمة ما لا يتم الإيمان إلا بتحققه.
وأما بر العمل فقد وضحته أبلغ توضيح في قوله- تعالى-: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ.
ولا شك أن إنفاق المال في تلك الوجوه من شأنه أن يسعد الأفراد والجماعات والأمم، ويكون مظهرا من أفضل مظاهر العمل الصالح الذي يرضى الله- تعالى-.
وأما بر الخلق فقد ذكرته بأحكم عبارة في قوله- تعالى-: وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا، وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ.
وذلك لأن التمسك بهذه الفضائل. أداء الصلاة وإيتاء الزكاة. والوفاء بالعهود، والتذرع بالصبر- يدل على صفاء الإيمان وطهارة الوجدان وحسن الخلق وكمال الاستقامة.
وهكذا تجمع آية واحدة من كتاب الله بين بر العقيدة وبر العمل وبر الخلق، وتربط بين الجميع برباط واحد لا ينفصم، ونضع على هذا كله عنوانا واحدا «البر» وتمدح من استجمع أنواعه بالصدق والتقوى.
فلله هذا الاستقراء البديع، وذلك التوجيه السديد، الذي يشهد أن هذا القرآن من عند الله وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.
وبعد أن بين- سبحانه- أن البر الجامع لألوان الخير يتجلى في الإيمان بالله واليوم الآخر..
وفي بذل المال في وجوه الخير، وفي المحافظة على فرائضه- سبحانه- وفي غير ذلك من أنواع الطاعات التي ذكرتها الآية السابقة بعد كل ذلك شرع- سبحانه- في بيان بعض الأحكام العملية الجليلة التي لا يستغنى عنها الناس في حياتهم، وبدأ هذه الأحكام بالحديث عن حفظ الدماء لماله من منزلة ذات شأن في إصلاح العالم- فقال- تعالى-: